@ 151 @ فكأنه يقول : قدرنا عليهم التقاطه بمشيئتنا ليكون لهم عدوًّا وحزنًا ، وهذا معنى واضح ، لا لبس فيه ولا إشكال ، كما ترى . .
وقال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية : ولكن إذا نظر إلى معنى السياق ، فإنه تبقى اللام للتعليل ؛ لأن معناه : أن اللَّه تعالى قيّضهم لالتقاطه ، ليجعله عدوًّا لهم وحزنًا ، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه ، انتهى محل الغرض من كلامه . وهذا المعنى هو التحقيق في الآية إن شاء اللَّه تعالى ، ويدلّ عليه قوله تعالى : { وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } ، كما بيّنا وجهه آنفًا . .
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يقوله كثير من المفسّرين ، وينشدون له الشواهد من أن اللام في قوله : { لِيَكُونَ } ، لام العاقبة والصيرورة خلاف الصواب ، وأن ما يقوله البيانيّون من أن اللام في قوله : { لِيَكُونَ } فيها استعارة تبعية ، في متعلّق معنى الحرف ، خلاف الصواب أيضًا . .
وإيضاح مراد البيانيين بذلك ، هو أن من أنواع تقسيمهم لما يسمّونه الاستعارة ، التي هي عندهم مجاز علاقته المشابهة أنهم يقسمونها إلى استعارة أصلية ، واستعارة تبعية ، ومرادهم بالاستعارة الأصلية الاستعارة في أسماء الأجناس الجامدة والمصادر ، ومرادهم باستعارة التبعية قسمان : .
أحدهما : الاستعارة في المشتقّات ، كاسم الفاعل والفعل . .
والثاني : الاستعارة في متعلّق معنى الحرف ، وهو المقصود بالبيان . .
فمثال الاستعارة الأصلية عندهم : رأيت أسدًا على فرسه ، ففي لفظة أسد في هذا المثال ، استعارة أصلية تصريحية عندهم ، فإنه أراد تشبيه الرجل الشجاع بالأسد لعلاقة الشجاعة ، فحذف المشبّه الذي هو الرجل الشجاع ، وصرّح بالمشبّه به الذي هو الأسد ، على سبيل الاستعارة التصريحية ، وصارت أصلية ؛ لأن الأسد اسم جنس جامد . .
ومثال الاستعارة التبعية في المشتقّ عندهم قولك : الحال ناطقة بكذا ، فالمراد عندهم : تشبيه دلالة الحال بالنطق بجامع الفهم ، والإدراك بسبب كل منهما ، فحذف الدلالة التي هي المشبّه ، وصرّح بالنطق الذي هو المشبّه به على سبيل الاستعارة التصريحية ، واشتقّ من النطق اسم الفاعل الذي هو ناطقة ، فجرت الاستعارة التبعية في اسم الفاعل الذي هو ناطقة ، وإنما قيل لها تبعية ؛ لأنها إنما جرت فيه تبعًا لجريانها في