122 - ـ فصل : التوبة النصوح .
من أراد دوام العافية و السلامة فليتق الله D .
فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافيه التقوى و إن قل إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة .
و من الإغترار أن تسيء فترى إحسانا فتظن أنك قد سومحت و تنسى : { من يعمل سوءا يجز به } .
و ربما قالت النفس : إنه يغفر فتسامحت و لا شك أنه يغفر و لكن لمن يشاء .
و أنا أشرح لك حالا فتأمله بفكرك تعرف معنى المغفرة .
و ذلك أن من هفا هفوة لم يقصدها و لم يعزم عليها قبل الفعل و لا عزم على العود بعد الفعل ثم إنتبه لما فعل فإستغفر الله كان فعله و إن دخله عمدا في مقام خطأ مثل أن يعرض له مستحسن فيغلبه الطبع فيطلق النظر و يتشاغل في حال نظره بالتذاذ الطبع عن تلمح معنى النهي فيكون كالغائب أو كالسكران فإذا انتبه لنفسه ندم على فعله فقام الندم بغسل تلك الأوساخ التي كانت كأنها غلطة لم تقصد .
فهذا معنى قوله تعالى : { إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } .
فأما المداوم على تلك النظرة المردد لها المصر عليها فكأنه في مقام متعمد للنهي مبارز بالخلاف فالعفو يبعد عنه بمقدار إصراره .
و من البعد ألا يرى الجزاء على ذلك كما قال ابن الجلاء : رآني شيخي و أنا قائم أتأمل حدثا نصرانيا فقال : [ ما هذا ؟ لترين غبها و لو بعد حين ] فنسيت القرآن بعد أربعين سنة .
و اعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب فإن العقوبة تتأخر .
و من أعظم العقوبة ألا يحس الإنسان بها و أن تكون في سلب الدين و طمس القلوب و سوء الإختيار للنفس فيكون من آثارها سلامة البدن و بلوغ الأغراض .
قال بعض المعتبرين : أطلقت نظري فيما لا يحل لي ثم كنت أنتظر العقوبة فألجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه فلقيت المشاق ثم أعقب ذلك موت أعز الخلق عندي و ذهاب أشياء كانت لها وقع عظيم عندي ثم تلافيت أمري بالتوبة فصلح حالي ثم عاد الهوى فحملني على إطلاق بصري مرة أخرى فطمس قلبي و عدمت رقته و أستلب مني ما هو أكثر من فقد الأول و وقع لي تعويض عن المفقود بما كان فقده أصلح فلما تأملت ما عوضت و ما سلب من صحت من ألم تلك السياط .
فها أنا أنادي من على الساحل : إخواني احذروا لجة هذا البحر و لا تغتروا بسكونه و عليكم بالساحل و لازموا حصن التقوى فالعقوبة مرة .
و إعلموا أن ملازمة التقوى مرارات من فقد الأغراض و المشتهيات غير أنها في ضرب المثل كالحمية تعقب صحة و التخليط ربما جلب موت الفجأة .
و بالله لو نمتم على المزابل مع الكلاب في طلب رضى المبتلي كان قليلا في نيل رضاه و لو بلغتم نهاية الأماني من أغراض الدنيا مع إعراضه عنكم كانت سلامتكم هلاكا و عافيتكم مرضا و صحتكم سقما و الأمر بآخره و العاقل من تلمح العواقب .
و صابروا رحمكم الله تعالى هجير البلاء فما أسرع زواله .
و الله الموفق إذ لا حول إلا به و لا قوة إلا بفضله