124 - ـ فصل : ابتلاء العارف مزيد من الكمال .
أعظم البلايا أن يعطيك همه عالية و يمنعك من العمل بمقتضاها فيكون من تاثير همتك الأنفة من قبول إرفاق الخلق استثقالا لحمل مننهم ثم يبتليك بالفقر فتأخذ منهم و يلطف مزاجك فلا تقبل من المأكولات ما سهل إحضاره فتحتاج إلى فضل نفقة ثم يقلل رزقك و يعلق همتك بالمستحسنات و يقطع بالفقر السبيل إليهن .
و يريك العلوم في مقام معشوق و يضعف بذلك عن الإعادة و يخلي يديك من المال الذي تحصل به الكتب و يقوي توقك إلى درجات العارفين و الزهاد و يحوجك إلى مخالطة أرباب الدنيا و هذا البلاء المبين .
و اما الخسيس الهمة الذي لا يستنكف من سؤال الخلق و لا يرى الإستبدال بزوجته و يكتفي بيسير من العلم و لا يتوق إلى أحوال العارفين فذاك لا يؤلمه فقد شيء و يرى ما وجد هو الغاية فهو يفرح فرح الأطفال بالزخارف فما أهون الأمر عليه .
إنما البلاء على العارف ذي الهمة العالية الذي تدعوه همته إلى جميع الأضداد للتزيد من مقام الكمال و تقصر خطاه عن مدارك مقصودة .
فيا له من حال ينفد في طريقه زاد الصابرين .
و لولا حالات غفلة تعتري هذا المبتلي يعيش بها لكان دوام ملاحظته للمقامات يعمي بصره و اجتهاده في السلوك يخفي قدمه .
لكن ملاحظات الإمداد له تارة ببلوغ بعض مراده و تارة بالغفلة عما قصد تهون عليه العيش .
و هذا كلام عزيز لا يفهمه إلا أربابه و لا يعلم كنهه إلا أصحابه