20 - ـ فصل : مصير النفس بعد الموت .
قد أشكل على الناس أمر النفس و ماهيتها مع إجماعهم على وجودها و لا يضر الجهل بذاتها مع إثباتها ثم أشكل عليهم مصيرها بعد الموت و مذهب أهل الحق أن لها وجودا بعد موتها و أنها تنعم و نعذب قال أحمد بن حنبل : [ أرواح المؤمنين في الجنة و أرواح الكفار في النار ] .
و قد جاء في أحاديث الشهداء : [ أنها في حواصل طير خضر تعلق من شجر الجنة ] .
و قد أخذ بعض الجهلة بظواهر أحاديث النعيم فقال : إن الموتى يأكلون في القبور و ينكحون .
و الصواب من ذلك أن النفس تخرج بعد الموت إلى نعيم أو عذاب و أنها تجد ذلك إلى يوم القيامة فإذا كانت القيامة أعيدت إلى .
الجسد ليتكامل لها التنعم بالوسائط و قوله : [ في حواصل طير خضر ] دليل على أن النفوس لا تنال لذةإلا بوساطة إلا أن تلك اللذة لذة مطعم أو مشرب فأما لذات المعارف و العلوم فيجوز أن تنالها بذاتها مع عدم الوسائط .
و المقصود من هذا المذكور أني رأيت بعض الانزعاج من الموت و ملاحظة النفس بعين العدم عنده فقلت لها : إن كنت مصدقة للشريعة فقد أخبرت بما تعرفين و لا وجه للإنكار و إن كان هناك ريب في أخبار الشريعة صار الكلام في بيان صحة الشريعة .
فقالت : لا ريب عندي .
قلت : فاجتهدي في تصحيح الإيمان و تحقيق التقوى و أبشري حينئذ بالراحة من ساعةالموت فإني لا أخاف عليك إلا من التقصير في العمل واعلمي أن تفاوت النعيم بمقدار درجات الفضائل فارتفعي بأجنحة الجد إلى أعلى أبراجها و احذري من قانص هوى أو شرك غرة و الله الموقف