211 - ـ فصل : الله ينظر كيف تعملون .
من الابتلاء العظيم إقامة الرجل في غير مقامه مثل أن يحوج الرجل الصالح إلى مداراة الظالم و التردد إليه و إلى مخالطة من لا يصلح و إلى أعمال لا تليق به أو إلى أمور تقطع عليه مراده الذي يؤثره .
مثل أن يقال للعالم : تردد على الأمير و إلا خفنا عليك سطوته فيتردد فيرى ما لا يصلح له و لا يمكنه أن ينكر .
أو يحتاج إلى شيء من الدنيا و قد منع حقه فيحتاج أن يعرض بذكر ذلك أو يصرح لينال بعض حقه و يحتاج إلى مداراة من تصعب مداراته بل تتشتت همته لتلك الضرورات و كذلك يفتقر إلى الدخول في أمور لا تليق به مثل أن يحتاج إلى الكسب فيتردد إلى السوق أو يخدم من يعطيه أجرته .
و هذا لا يحتمله قلب المراقب لله سبحانه لأجل ما يخالطه من الأكدار .
أو يكون له عائلة و هو فقير فيتفكر في إغنائهم فيدخل في مداخل كلها عنده عظيم .
و قد يبتلى بفقد من يحب أو ببلاء في بدنه و بعكس أغراضه و تسليط معاديه عليه فيرى الفاسق يقهره و الظالم يذله .
و كل هذه الأشياء إلا التسليم و اللجأ إلى القدر في الفرج .
فيرى الرجل المؤمن الحازم يثبت لهذه العظائم و لا يتغير قلبه و لا ينطق بالشكوى لسانه .
أو ليس الرسول صلى الله عليه و سلم يحتاج أن يقول : من يؤويني من ينصرني ؟ .
و يفتقر إلى أن يدخل مكة في جواز كافر ؟ .
و يشق السلي على ظهره و تقتل أصحابه و يداري المؤلفة و يشتد جوعه و هو ساكن لا يتغير ؟ .
و ما ذاك إلا أنه علم أن الدنيا دار ابتلاء لينظر الله فيها كيف تعملون .
و مما يهون هذه الأشياء علم العبد بالأجر و أن ذلك مراد الحق .
( فما لجرح إذا أرضاكم ألم )