232 - ـ فصل : الحذر من الإفراط في إظهار النعم .
قد ركب في الطباع حب التفضيل على الجنس فما أحد إلا و هو يحب أن يكون أعلى درجة من غيره .
فإذا وقعت نكبة أوجبت نزوله عن مرتبة سواه فينبغي أن يتجلد بستر تلك النكبة لئلا يرى بعين نقص .
ليتجمل المتعفف حتى لا يرى بعين الزحمة و ليتحامل المريض لئلا يشمت به ذو العافية .
و قد قال صلى الله عليه و سلم لأصحابه حين قدومه مكة و قد أخذتهم الحمى فخاف أن يشمت بهم الأعداء حين ضعفهم عن السعي فقال : [ رحم الله من أظهر من نفسه الجلد فيرملوا ] ـ و الرمل شدة السعي ـ .
و زال ذلك السبب و بقي الحكم ليتذكر السبب فيفهم معناه .
استأذنوا على معاوية و هو في الموت فقال لأهله : أجلسوني فقعد متمكنا يظهر العافية فلما خرج العواد أنشد : .
( و تجلدي للشامتين أيهم ... أني لريب الدهر أتضعضع ) .
( و إذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع ) .
و ما زال العقلاء يظهرون التجلد عند المصائب و الفقر و البلاء لئلا يتحملوا معى النوائب شماتة الأعداء و إنها لأشد من كل نائبة .
كان فقيرهم يظهر الغنى و مريضهم يظهر العافية .
بلى ثم نكتة ينبغي التفطن لها ربما أظهر الإنسان كثرة المال و سبوغ النعم فأصابه عدوه بالعين فلا يفي ما تبجح به بما يلاقي من انعكاس النعمة .
و العين لا تصيب إلا ما يستحسن و لا يكفي الاستحسان في إصابة العين حتى يكون من حاسد و لا يكفي ذلك حتى يكون من شرير الطبع .
فإذا اجتمعت هذه الصفات خيف من إصابة العين فليكن الإنسان مظهرا للتجميل مقدار ما يأمن إصابة العين و يعلم أنه في خير .
و ليحذر الإفراط في إظهار النعم فإن العين هناك محذورة .
و قد قال يعقوب لنبيه عليهم السلام { لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة } .
و إنما خاف عليهم العين فليفهم هذا الفصل فإنه ينفع من له تدبر