230 - ـ فصل : الله يغفر للجاهل قبل العالم .
رأيت جماعة من العلماء يتفسحون و يظنون أن العلم يدفع عنهم و ما يدرون أن العلم خصمهم و أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب .
و ذاك لأن الجاهل لم يتعرض بالحق و العالم لم يتأدب معه .
و رأيت بعض القوم يقول : أنا قد ألقيت منجلي بين الحصادين و نمت ثم كان يتفسح في أشياء لا تجوز .
فتفكرت فإذا العلم الذي هو معرفة الحقائق و النظر في سير القدماء و التأدب بآداب القوم و معرفة الحق و ما يجب له ليس عند القوم .
و إنما عندهم صور ألفاظ يعرفون بها ما يحل و ما يحرم و ليس ذلك العلم النافع .
إنما العلم فهم الأصول و معرفة المعبود و عظمته و ما يستحقه و النظر في سير الرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته و التأدب بآدابهم و فهم ما نقل عنهم هو العلم النافع الذي يدع أعظم العلماء أحقر عند نفسه من أجهل الجهال و رأيت بعض من تعبد مدة ثم فتر فبلغني أنه قال : قد عبدته عبادة ما عبده بها أحد و الآن قد ضعفت .
فقلت : ما أخوفني أن تكون كلمته هذه سببا لرد الكل .
لأنه قد رأى أنه عمل مع الحق شيئا و إنما وقف يسأل النجاة بطلب الدرجات ففي حق نفسه فعل .
و ما مثله إلا كمثل من وقف يكدي فما ينبغي أن يمن على المعطي .
و إنما سبب هذا الإنبساط الجهل بالحقائق و أين هو من كبار العلماء المعاملة الذين كان فيهم مثل صلة بن أشيم إذا رآه السبع هرب منه و هو يقول إذا انقضى الليل عند صلاته : يا رب أجرني من النار أو مثلي يسأل الجنة ؟ .
و أبلغ من ذا قول عمر : وددت أن أنجو كفافا لا لي و لا علي .
و قول سفيان عند موته لحماد بن سلمة : [ أترجو لمثلي أن ينجو من النار ] ؟ و قول أحمد : لا بعد .
فأنا أحمد الله D إذا تخلصت من جهل المتسمين بالعلم من هؤلاء الذين ذممتهم و بالزهد من هؤلاء الذين عبتهم فإن قد اطلعت من عظمة الخالق و سير المحققين على ما يخرس لسان الإنبساط و يمحو النظر إلى كل فعل .
و كيف أنظر إلى فعلي المستحسن و هو الذي وهبه لي و أطلعني على ما خفى عن غيري .
فهل حصل ذلك بي أو بلطفه ؟ و كيف أشكر توفيقي الشكر ! .
ثم أي عالم إذا سبر أمور العلماء من القدماء لا يحتقر نفسه ؟ .
هذا في صورة العلم فدع معناه .
و أي عابد يسمع بالعباد و لا يجري في صورة التعبد فدع المعنى .
نسأل الله D معرفة تعرفنا أقدارنا حتى لا يبقى للعجب بمحتقر ما عندنا أثر في قلوبنا و ترغب إليه في معرفة لعظمته تخرس الألسن أن تنطق بالإذلال .
و نرجو من فضله توفيقا نلاحظ به آفات الأعمال التي بها نزهو حتى تثمر الملاحظة لعيوبها الخجل من وجودها إنه قريب مجيب