239 - ـ فصل : الجنة و درجاتها .
و الله إني لأتخايل دخول الجنة و دوام الإقامة فيها من غير مرض و لا بصاق و لا نوم و لا آفة تطرأ بل صحة دائمة و أغراض متصلة لا يعترضها منغص في نعيم متجدد في كل لحظة إلى زيادة لا تتناهى فأطيش و يكاد الطبع يضيق عن تصديق ذلك لو لا أن الشرع قد ضمنه .
معلوم أن تلك المنازل إنما تكون على قدر الإجتهاد ههنا فوا عجبا من مضيع لحظة فيها .
فتسبيحه تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم و ظلها .
فيا أيها الخائف من فوت ذلك شجع قلبك بالرجاء .
و يا أيها المنزعج لذكر الموت تلمح ما بعد مرارة الشربة من العافية .
فإنه من ساعة خروج الروح لا بل قبل خروجها تنكشف المنازل لأصحابها فيكون سير المجذوب للذة المنتقل إليه .
ثم الأرواح في حواصل طير تعلق في أشجار الجنة .
فكل الآفات و المخالفات في نهار الأجل و قد إصفرت شمس العمر فالبدار البدار قبل الغروب و لا معين يرافق على تلك الطريق إلا الفكر إذا جلس مع العقل فتذاكرا العواقب .
فإذا فرغ ذلك المجلس فالنظر في سير المجدين فإنه يعود مستجلبا للفكر منها للفضائل و التوفيق من وراء ذلك .
و متى أراك لشيء هيأك له .
فأما مخالطة الذين ليس عندهم خبر إلا من العاجلة فهو من أكبر أسباب مرض الفهم و علل العقل و العزلة عن الشر حمية و الحمية سبب العافية