27 - فصل : إذعان العقل فحكمة الله .
تأملت حالا عجيبة و هي أن الله سبحانه تعالى قد بنى هذه الأجسام متقنه على قانون الحكمة .
فدل بذلك المصنوع على كمال قدرته و لطيف حكمته .
ثم عاد فنقضها فتحيرت العقول بعد إذعانها له بالحكمة في سر ذلك الفعل .
فأعلمت أنها ستعاد للمعاد و أن هذه البنية لم تخلق إلا لتجوز في مجاز المعرفة و تتجر في موسم المعاملة فسكنت العقول لذلك .
ثم رأت أشياء من هذا الجنس أظرف منه مثل احترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنياته .
و أعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه يتململان و لا يظهر سر سلبه و الله الغني عن أخذه و هما أشد الخلق فقرا إلى بقائه .
و أظرف منه إبقاء هرم لا يدري معنى البقاء و ليس له فيه إلا مجرد أذى .
و من هذا الجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم و توسعته على الكافر الأحمق .
و في نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها فيبقى مبهوتا .
فلم أزل أتلمح جملة التكاليف فإذا عجزت قوى العقل عن الاطلاع على حكمه ذلك و قد ثبت لها حكمة الفاعل علمت قصورها عن درك جميع المطلوب فأذعنت مقرة بالعجز و بذلك تؤدي مفروض تكليفها .
فلو قيل للعقل : قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى أفيجوز أن ينقدح في حكمته أنه نقض ؟ لقال : لأني عرفت بالبرهان أنه حكيم و أنا أعجز عن إدراك علله فأسلم على رغمي مقرأ بعجزي