307 - ـ فصل : وعظ السلطان و مراعاة الأحوال .
ينبغي لمن وعظ سلطانا أن يبالغ في التلطيف و لا يواجهه بما يقتضي أنه ظالم .
فإن السلاطين حظهم التفرد بالقهر و الغلبة فإذا جرى نوع توبيخ لهم كان إذلالا و هم لا يحتملون ذلك .
و إما ينبغي أن يمزج وعظه بذكر شرف الولاية حصول الثواب في رعاية الرعايا و ذكر سير العادلين من أسلافهم .
ثم لينظر الواعظ في حال الموعوظ قبل وعظه .
فإن كانت سيرته حميدة كما كان منصور بن عمار و غيره يعظون الرشيد و هو يبكي و ذكر و قصده الخير زاد في وعظه و وصيته .
و إن رآه ظالما لا يلتفت إلى الخير و قد غلب عليه الجهل اجتهد في ألا يراه و لا يعظه .
لأنه إن وعظه خاطر بنفسه و إن مدحه كان مداهنا .
فإن اضطر إلى موعظته كانت كالإشارة و قد كان أقوام من السلاطين يلينون عند الموعظة و يحتملون الواعظين .
حتى أنه قد كان المنصور يواجه بأنك ظالم فيصبر .
و قد تغير الزمان و فسد أكثر الولاة و داهنهم العلماء و من لا يداهن لا يجد قبولا للصواب فيسكت .
و قد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم و ثقته التجارب فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل فتأتي الولاية على من ليس من أهلها .
و مثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم و البعد عنهم .
فمن ابتلى بوعظهم فليكن على غاية التحرز فيما يقول و لا ينبغي أن يغتر بقولهم : عظنا فإنه لو قال كلمة لا توافق أغراضهم ثارت حراراتهم .
و ليحذر مذكر السلطان أن يعرض له بأرباب الولايات فإنهم إذا سمعوا بذلك صار الواعظ مقصودا لهم بالإهلاك خوفا من أن يعتبر السلطان أحوالهم فتفسد أمورهم .
و البعد في هذا الزمان عنهم أصلح و السكوت عن المواعظ لهم أسلم .
فمن اضطر تلطف غاية التلطيف جعل وعظه للعوام و هم يسمعون و لا يعنيهم منه بشيء و الله الموفق