314 - ـ فصل : من إشتغل بخدمة الخلق أعرض عن الحق .
رأيت أكثر العلماء يتشاغلون بصورة العلم فهم الفقيه التدريس و هم الواعظ الوعظ .
فهذا يرعى درسه فيفرج بكثرة من يسمعه و يقدح في كلام من يخالفه و يمضي زمانه في التفكر في المناقضات ليقهر من يجادله و عينه إلى التصدر و الإرتفاع في المجالس .
و ربما كانت همته جمع الحطام و مخالطة السلاطين .
و الواعظ همته ما يزوق به كلامه و يكثر جمعه و يجلب به قلوب الناس إلى تعظيمه فإن كان له نظير في شغله أخذ يطعن فيه .
و هذه قلوب غافلة عن الله D إذ لو كانت لها به معرفة لإشتغلت به و كان أنسها بمناجاته و إيثارها لطاعته و إقبالها على الخلوة به .
لكنها لما خلت من هذا تشاغلت بالدنيا و ذاك دنيا مثلها .
فإذا خلت بخدمة الله تعالى لم تجد لها طعما و كان جمع الناس أحب إليها و زيارة الخلق لها آثر عندما و هذه علامة الخذلان .
و على ضد هذا متى كان العالم مقبلا على الله سبحانه مشغولا بطاعته كان أصعب الأشياء عنده لقاء الخلق و محادثتهم و أحب الأشياء إليه الخلوة .
و كان عنده شغل من القدح في النظراء أو عن طلب الرياسة .
فإن ما علق به همته من الآخرة أعلى من ذلك .
و النفس لا بد لها مما تشاغل به فمن إشتغل لخدمة الخلق أعرض عن الحق فإنما يربي رياسته .
و ذلك يوجب الإعراض عن الحق و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه