317 - ـ فصل : جلال العبادة و جمال العابدين .
كلما أوغلت الفهوم في معرفة الخالق فشاهدت عظمته و لطفه و رفعته تاهت في محبته فخرجت عن حد الثبوت .
و قد كان خلق من الناس غلبت عليهم محبته فلم يقدروا على مخالطة الخلق .
و منهم من لم يقدر على السكوت عن الذكر .
و فيهم من لم ينم إلا غلبة و فيهم من هام في البراري و فيهم من إحتراق في بدنه .
فيا حسن مخمورهم ما ألذ سكره و يا عيش قلقهم ما أحسن وجده ! ! .
كان أبو عبيدة الخواص قد غلبه الوجد فكان يمشي في الأسواق يقول : [ وا شوقاه إلى من يراني و لا أراه ] .
و كان فتح بن سخرف يقول : قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك .
و كان قيس بن الربيع كأنه مخمور من غير شراب .
و كان ابن عقيل يقول إن التبذل فيه سبحانه أحسن من التجمل في غيره .
هل رأيت قط عراة أحسن من المحرمين ؟ .
هل رأيت للمتزينين برياش الدنيا سمتا كأثواب الصالحين ؟ .
هل رأيت خمارا أحسن من نعاس المتهجدين ؟ .
هل رأيت سكرا أحسن من صعق الواجدين ؟ .
هل شاهدت ماء صافيا أصفى من دموع المتأسفين ؟ .
هل رأيت رؤوسا مائلة كرؤوس المنكسرين ؟ .
هل لصق بالأرض شيء أحسن من جباه المصلين ؟ .
هل حرك نسيم الأسحار أوراق الأشجار فبلغ مبلغ تحريكه أذيال المتهجدين ؟ .
هل ارتفعت أكف و إنبسطت أيد فضاهت أكف الراغبين ؟ .
هل حرك القلوب صوت ترجيع لحن أو رنة و تر كما حرك حنين المشتاقين ؟ .
و إنما يحسن التبذل في تحصيل أو في الأغراض .
فلذلك حسن التبذل في خدمة المنعم