331 - ـ فصل : يجب أن يكون المحدث فقيها .
هذا فصل غزير الفائدة .
إعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه غير أن العمر قصير و العلم كثير .
فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر .
و من الحديث على الصحاح و السنن و المسانيد المصنفة فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد و ما في هذا الجزاء و إنما الطرق تختلف .
و علم الحديث يتعلق بعضه ببعض و هو مشتهى و الفقهاء يسمونه علم الكسالى لأنهم يتشاغلون بكتابته و سماعه و لا يكادون يعانون حفظه و يفوتهم المهم و هو الفقه .
و قد كان المحدثون قديما هم الفقهاء ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث و المحدثون لا يعرفون الفقه .
فمن كان ذا همة و نصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم و جعل جل شغله الفقه فهو أعظم العلوم و أهمها .
و قد قال أبو زرعة : كتب إلي أبو ثور : فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية و تسعون رجلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي صح منه طرق يسيرة .
فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم .
و لو إتسع العمر إستيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة و لكن العمر قصير .
و لما تشاغل بالطرق مثل يحي بن معين فاته من الفقه كثير حتى أنه سئل عن الحائض أيجوز أن تغسل الموتى ! فلم يعلم حتى جاء أبو ثور فقال : يجوز لأن عائشة Bها قالت : [ كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا حائض ] .
فيحي أعلم بالحديث منه و لكن لم يتشاغل بفهمه .
فأنا أنهي أهل الحديث أن تشغلهم ككثرة الطرق .
و من أقبح الأشياء أن تجري حادثة يسأل عنها شيخ قد كتب الحديث ستين سنة فلا يعرف حكم الله D فيها .
و كذلك أنهي من يتشاغل بالتزهد و الإنقطاع عن الناس أن يعرض عن العلم بل ينبغي أن يجعل لنفسه منه حظا ليعلم إن زل كيف يتخلص