59 - ـ فصل : كيف تقوى النفس .
مر بي حمالان جذع ثقيل و هما يتجاوبان بانشاد النغم و كلمات الإستراحة .
فأحدهما يصغى إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله و الآخر همته مثل ذلك .
فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما و ثقل الأمر و كلما فعلا هذا هان الأمر .
فتأملت السبب في ذلك فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما يقوله الآخر و طربه به و إحالة فكره في الجواب بمثل ذلك فينقطع الطريق و ينسى ثقل المحمول .
فأخذت من هذا إشارة عجيبة و رأيت الإنسان قد حمل من التكليف أمورا صعبة و من أثقل ما حمل مداراة نفسه و تكليفها الصبر عما تحب و على ماتكره فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية و التلطف للنفس كما قال الشاعر : .
( فإن تشكت فعللها المجرة من ... ضوء الصباح و عدها بالروح ضحى ) .
و من هذا ما يحكى عن بشر الحافي C عليه سار و معه رجل في طريق فعطش صاحبه فقال له : نشرب من هذا البئر ؟ فقال بشر : اصبر إلى البئر الأخرى فلما و صلا إليها قال له : البئر الأخرى .
فما زال يعلله ثم التفت إليه فقال له : [ هكذا تنقطع الدنيا ] .
و من فهم هذا الأصل علل النفس و تلطف بها و وعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت كما كان بعض السلف يقول لنفسه : و الله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك .
و قال أبو يزيد C عليه : ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى و هي تبكي حتى سقتها و هي تضحك .
و اعلم أن مداراة النفس و التلطف بها لازم و بذلك ينقطع الطريق فهذا رمز إلى الإشارة وشرحه يطول