70 - ـ فصل : المن بالعبادة .
تأملت قوله D : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } فرأيت فيه معنى عجيبا .
و هو أنهم لما و هبت لهم العقول فتدبروا بها عيب الأصنام و علموا أنها لا تصلح للعبادة فوجهوا العبادة إلى من فطر الأشياء كانت هذه المعرفة ثمرة العقل الموهوب الذي به باينوا البهائم .
فإذا آمنوا بفعلهم الذي ندب إليه العقل الموهوب فقد جهلوا قدر الموهوب و غفلوا عن وهب .
و أي شيء لهم في الثمرة و الشجرة ليس ملكا لهم ؟ .
فعلى هذا كل متعبد و مجتهد في علم إنما رأى بنور اليقظة و قوة الفهم و العقل صوابا فوقع على المطلوب فينبغي أن يوجه الشكر إلى من بعث له في ظلام الطبع القبس .
و من هذا الفن حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار فانحطت عليهم صخرة فسدت باب الغار فقالوا : تعالوا نتوسل بصالح أعمالنا فقال كل منهم : فعلت كذا وكذا و هؤلاء إن كانوا لاحظوا نعمة الواهب للعصمة عن الخطأ فتوسلوا بإنعامه عليهم الذي أوجب تخصيصهم بتلك النعمة عن أبناء جنسهم فبه توسلواإليه .
و إن كانوا لا حظوا أفعالهم فلمحوا جزاءها ظنا منهم أنهم هم الذين فعلوا فهم أهل غيبة لا حضور .
و يكون جواب مسألتهم لقطع مننهم الدائمة .
و مثل هذا رؤية المتقي تقواه حتى إنه يرى أنه أفضل من كثير من الخلق .
و ربما احتقر أهل المعاصي و تشمخ عليهم و هذه غفلة عن طريق السلوك و ربما أخرجت .
و لا أقول لك خالط الفساق احتقارا لنفسك بل أغضب عليهم في الباطن و أعرض عنهم في الظاهر ثم تلمح جريان الأقدار عليهم فأكثرهم لا يعرف من عصى .
و جمهورهم لا يقصد العصيان بل يريد موافقة هواه و عزيز عليه أن يعصي و فيهم من غلب تلمح العفو و الحلم فاحتقر ما يأتي لقوة يقينه بالعفو .
و هذه كلها ليست بأعذار لهم و لكن تلمحه أنت يا صاحب التقوى و اعلم أن الحجة عليك أوفى من الحجة عليهم لأنك تعرف من تعصى و تعلم ما تأتي .
بل انظر إلى تقليب القلوب بين إصبعين فربما دارت الدائرة فصرت المنقطع و وصل المقطوع .
فالعجب ممن يدل بخير عليه و ينسى من أنعم و وفق