بالعمومات الواردة في الرياء أولى .
هذا ما ذكره ولم يقطع به بل أظهر ميلا إلى الإحباط .
والأقيس عندنا أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل صادرا عن باعث الدين وإنما انضاف إليه السرور بالاطلاع فلا يفسد العمل لأنه لم ينعدم به أصل نيته وبقيت تلك النية باعثة على العمل وحاملة على الإتمام .
وأما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا الخلق وأما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساويا لقصد الثواب أو أغلب منه أما إذا كان ضعيفا بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة وسائر الأعمال ولا ينبغي أن يفسد الصلاة ولا يبعد أن يقال إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله والخالص ما لا يشوبه شيء فلا يكون مؤديا للواجب مع هذا الشوب والعلم عند الله فيه .
وقد ذكرنا في كتاب الإخلاص كلاما أوفى مما أوردناه الآن فليرجع إليه فهذا حكم الرياء الطارئ بعد عقد العبادة إما قبل الفراغ أو بعد الفراغ .
القسم الثالث الذي يقارن حال العقد بأن يبتدئ الصلاة على قصد الرياء فإن استمر عليه سلم فلا خلاف في أنه يقضي ولا يعتد بصلاته وإن ندم عليه في أثناء ذلك واستغفر ورجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه .
قالت فرقة لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف .
وقالت فرقة تلزمه إعادة الأفعال كالركوع والسجود وتفسد أفعاله دون تحريمة الصلاة لأن التحريم عقد والرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقدا .
وقالت فرقة لا يلزم إعادة شيء بل يستغفر الله بقلبه ويتم العبادة على الإخلاص والنظر إلى خاتمة العبادة كما لو ابتدأ بالإخلاص وختم بالرياء لكان يفسد عمله .
وشبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل فقالوا إن الصلاة والركوع والسجود لا تكون إلا لله ولو سجد لغير الله لكان كافرا ولكن اقترن به عارض الرياء ثم زال بالندم والتوبة وصار إلى حالة لا يبالي بحمد الناس وذمهم فتصح صلاته .
ومذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جدا خصوصا من قال يلزمه إعادة الركوع والسجود دون الافتتاح لأن الركوع والسجود إن لم يصح صارت أفعالا زائدة في الصلاة فتفسد الصلاة .
وكذلك قول من يقول لو ختم بالإخلاص صح نظرا إلى الآخر فهو أيضا ضعيف لأن الرياء يقدح في النية وأولى الأوقات بمراعاة أحكام النية حال الافتتاح فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال إن كان باعثه مجرد الرياء في ابتداء العقد دون طلب الثواب وامتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه ولم يصح ما بعده وذلك فيمن إذا خلا بنفسه لم يصل ولما رأى الناس تحرم بالصلاة وكان بحيث لو كان ثوبه نجسا أيضا كان يصلي لأجل الناس فهذه صلاة لا نية فيها إذ النية عبارة عن إجابة باعث الدين وههنا لا باعث ولا إجابة .
فأما إذا كان بحيث لولا الناس أيضا لكان يصلي إلا أنه ظهر له الرغبة في المحمدة أيضا فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة وقراءة وما ليس فيه تحليل وتحريم أو في عقد صلاة وحج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث الرياء وأطاع بإجابة باعث الثواب فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فله ثواب بقدر قصده الصحيح وعقاب بقدر قصده الفاسد ولا يحبط أحدهما الآخر .
وإن كان في صلاة تقبل الفساد بتطرق خلل إلى النية فلا يخلو إما أن تكون فرضا أو نفلا فإن كانت نفلا فحكمها أيضا حكم الصدقة فقد عصى من وجه وأطاع من وجه إذ اجتمع في قلبه الباعثان ولا يمكن أن يقال صلاته فاسدة والاقتداء به باطل حتى إن من صلى