عن الخلق وانحازوا إلى قلل الجبال وآثروا التوحش عن الخلق لطلب الأنس بالله D فتركوا لله D اللذات الحاضرة وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعا في الآخرة وأثنى الله D عليهم في كتابه فقال ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق على اتباع الشهوات وهجروا التجرد لعبادة الله D وفتروا عنه بعث الله D نبيه محمدا A لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في سلوكها .
فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينه فقال A أبدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف // حديث سئل عن الرهبانية والسياحة فقال بدلنا الله بها الجهاد والتكبير على كل شرف أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله رواه الطبراني بلفظ إن لكل أمة سياحة وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ولكل أمة رهبانية ورهبانية امتي الرباط في نحر العدو وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله وكلاهما ضعيف والترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف // يعني الحج .
وسئل A عن السائحين فقال هم الصائمون // حديث سئل عن السائحين فقال هم الصائمون أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وقال المحفوظ عن عبيد بن عمير عن عمر مرسلا // فأنعم الله D على هذه الأمة بأن جعل الحج رهبانية لهم فشرف البيت العتيق بالإضافة إلى نفسه تعالى .
ونصبه مقصدا لعباده وجعل ما حواليه حرما لبيته تفخيما لأمره .
وجعل عرفات كالميزاب على فناء حوضه وأكد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره .
ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثا غبرا متواضعين لرب البيت ومستكينين له خضوعا لجلاله واستكانة لعزته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقهم وعبوديتهم وأتم في إذعانهم وانقيادهم .
ولذلك وظف عليهم فيها أعمالا لا تأنس بها النفوس ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار والتردد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار .
وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية .
فإن الزكاة إرفاق ووجهه مفهوم وللعقل إليه ميل .
والصوم كسر للشهوة التي هي آلة عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل .
والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله D بأفعال هي هيئة التواضع وللنفوس أنس بتعظيم الله D .
فأما ترددات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظ للنفوس ولا أنس فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الإتباع فقط وفيه عزل للعقل عن تصرفه وصرف النفس والطبع عن محل أنسه فإن كل ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلا ما فيكون ذلك الميل معينا للأمر وباعثا معه على الفعل فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد ولذلك قال A في الحج على الخصوص لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا // حديث لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا تقدم في الزكاة // ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها .
وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيترددون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الإستعباد كان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التعبدات في تزكية النفوس وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق مقتضى الإسترقاق .
وإذا تفطنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبدات وهذا القدر كاف في تفهم أصل الحج إن شاء الله تعالى .
وأما الشوق فإنما ينبعث بعد الفهم والتحقق بأن البيت بيت الله D وأنه وضع على مثال حضرة الملوك