معه وبينه وبين المحتسب نهر حائل أو جدار مانع فيأخذ قوسه ويقول له خل عنها أو لأرمينك .
إن لم تخل عنها فله أن يرمي وينبغي أن لا يقصد المقتل بل الساق والفخذ وما أشبهه ويراعي فيه التدريج .
وكذلك يسل سيفه ويقول اترك هذا المنكر أو لأضربنك .
فكل ذلك دفع للمنكر ودفعه واجب بكل ممكن .
ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بخاص حق الله وما يتعلق بالآدميين .
وقالت المعتزلة ما لا يتعلق بالآدميين فلا حسبة فيه إلا بالكلام أو بالضرب ولكن للإمام لا للآحاد .
الدرجة الثامنة أن لا يقدر عليه بنفسه ويحتاج فيه إلى أعوان يشهرون السلاح .
وربما يستمد الفاسق أيضا بأعوانه ويؤدي ذلك إلى أن يتقابل الصفان ويتقاتلا .
فهذا قد ظهر الاختلاف في احتياجه إلى إذن الإمام .
فقال قائلون لا يستقل آحاد الرعية بذلك لأنه يؤدي إلى تحريك الفتن وهيجان الفساد وخراب البلاد .
وقال آخرون لا يحتاج إلى الإذن وهو الأقيس لأنه إذا جاز للآحاد الأمر بالمعروف وأوائل درجاته تجر إلى ثوان والثواني إلى ثوالث .
وقد ينتهي لا محالة إلى التضارب .
والتضارب يدعو إلى التعاون فلا ينبغي أن يبالي بلوازم الأمر بالمعروف .
ومنتهاه تجنيد الجنود في رضا الله ودفع معاصيه .
ونحن نجوز للآحاد من الغزاة أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فرق الكفار قمعا لأهل الكفر .
فكذلك قمع أهل الفساد جائز لأن الكافر لا بأس بقتله والمسلم إن قتل فهو شهيد .
فكذلك الفاسق المناضل عن فسقه لا بأس بقتله .
والمحتسب المحق إن قتل مظلوما فهو شهيد .
وعلى الجملة فانتهاء الأمر إلى هذا من النوادر في الحسبة .
فلا يغير به قانون القياس .
بل يقال كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك بيده وبسلاحه وبنفسه وبأعوانه .
فالمسألة إذن محتملة كما ذكرناه فهذه درجات الحسبة فلنذكر آدابها والله الموفق .
باب آداب المحتسب قد ذكرنا تفاصيل الآداب في آحاد الدرجات ونذكر .
الآن جملها ومصادرها فنقول جميع آداب المحتسب مصدرها ثلاث صفات في المحتسب العلم والورع وحسن الخلق .
أما العلم فليعلم مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها ليقتصر على حد الشرع فيه .
والورع ليردعه عن مخالفة معلومة فما كل من علم عمل بعلمه .
بل ربما يعلم أنه مسرف في الحسبة وزائد على الحد المأذون فيه شرعا ولكن يحمله عليه غرض من الأغراض .
وليكن كلامه ووعظه مقبولا فإن الفاسق يهزأ به إذا احتسب ويورث ذلك جراءة عليه .
وأما حسن الخلق فليتمكن به من اللطف والرفق وهو أصل الباب وأسبابه .
والعلم والورع لا يكفيان فيه .
فإن الغضب إذا هاج لم يكف مجرد العلم والورع في قمعه ما لم يكن في الطبع قبوله بحسن الخلق .
وعلى التحقيق فلا يتم الورع إلا مع حسن الخلق والقدرة على ضبط الشهوة والغضب .
وبه يصبر المحتسب على ما أصابه في دين الله .
وإلا فإذا أصيب عرضه أو ماله أو نفسه بشتم أو ضرب نسي الحسبة وغفل عن دين الله واشتغل بنفسه .
بل ربما يقدم عليه ابتداء لطلب الجاه والاسم .
فهذه الصفات الثلاث بها تصير الحسبة من القربات وبها تندفع المنكرات .
وإن فقدت لم يندفع المنكر .
بل ربما كانت الحسبة أيضا منكرة لمجاوزة حد الشرع فيها ودل على هذه الآداب قوله A لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه حليم فيما يأمر به حليم فيما ينهى عنه فقيه