لا يسمى نبيا بل يسمى وليا فمن آمن بالأنبياء وصدق بالرؤيا الصحيحة لزمه لا محالة أن يقر بأن القلب له بابان باب إلى خارج وهو الحواس وباب إلى الملكوت من داخل القلب وهو باب الإلهام والنفث في الروع والوحي فإذا أقربهما جميعا لم يمكنه أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة الأسباب المألوفة بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيل إليه فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بين عالم الشهادة وعالم الملكوت وأما السبب في انكشاف الأمر في المنام بالمثال المحوج إلى التعبير وكذلك تمثل الملائكة للأنبياء والأولياء بصور مختلفة فذلك أيضا من أسرار عجائب القلب ولا يليق ذلك إلا بعلم المكاشفة فلنقتصر على ما ذكرناه فإنه كاف للاستحثاث على المجاهدة وطلب الكشف منها فقد قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسألني أملي عليه شيئا من ذكرى الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال ما نكتب لك عملا ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله D فقلت ألستما تكتبان الفرائض قالا بلى قلت فيكفيكما ذلك وهذه إشارة إلى أن الكرام الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب وإنما يطلعون على الأعمال الظاهرة وقال بعض العارفين سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله فقال ما تقول رحمك الله ثم التفت إلى يمينه فقال ما تقول رحمك الله ثم أطرق إلى صدره وقال ما تقول رحمك الله ثم أجاب بأغرب جواب سمعته فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي في المسألة جواب عتيد فسألت صاحب الشمال فقال لا أدري فسألت صاحب اليمين وهو أعلم منه فقال لا أدري فنظرت إلى قلبي وسألته فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما وكأن هذا هو معنى قوله A أن في أمتي محدثين وإن عمر منهم .
وفي الأثر إن الله تعالى يقول أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا ولذلك كتب عمر Bه إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعض العلماء يد الله على أفواه الحكماء لا ينطقون إلا بما هيأ الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن الله تعالى يطلع الخاشعين على بعض سره .
بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها .
اعلم أن القلب كما ذكرناه مثل قبة مضروبة لها أبواب تنصب إليه الأحوال من كل باب ومثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ولا تخلو عنها أو مثال حوض تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال أما من الظاهر فالحواس الخمس وأما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب وكذلك إذا هاجت الشهوة مثلا بسبب كثرة الأكل وبسبب قوة في المزاج حصل منها في القلب أثر وإن كف عن الإحساس فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائما من هذه الأسباب وأخص الآثار الحاصلة في القلب هو الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الآفكار والأذكار وأعني به إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركات للإرادات