ولذلك لا ينفك عن عذاب ما واجتياز على النار وإن كان مثل البرق قال الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا أي الذين كان قربهم إلى الصراط المستقيم أكثر من بعدهم عنه ولأجل عسر الاستقامة وجب على كل عبد أن يدعو الله تعالى في كل يوم سبع عشرة مرة في قوله اهدنا الصراط المستقيم إذ وجب قراءة الفاتحة في كل ركعة .
فقد روى أن بعضهم رأى رسول الله A في المنام فقال قد قلت يا رسول الله شيبتني هود فلم قلت ذلك فقال عليه السلام لقوله تعالى فاستقم كما أمرت فالاستقامة على سواء السبيل في غاية الغموض ولكن ينبغي أن يجتهد الإنسان في القرب من الاستقامة إن لم يقدر على حقيقتها فكل من أراد النجاة فلا نجاة له إلا بالعمل الصالح ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن الأخلاق الحسنة فليتفقد كل عبد صفاته وأخلاقه وليعددها وليشتغل بعلاج واحد واحد فيها على الترتيب فنسأل الله الكريم أن يجعلنا من المتقين .
بيان الطريق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه .
اعلم أن الله D إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق .
الأول أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته وهذا شأن المريد مع شيخه والتلميذ مع أستاذه فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه وهذا قد عز في الزمان وجوده .
الثاني أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه عليه فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين .
كان عمر Bه يقول رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي وكان يسأل سلمان عن عيوبه فلما قدم عليه قال له ما الذي بلغك عني مما تكرهه فاستعفى فألح عليه فقال بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل قال وهل بلغك غير هذا قال لا فقال أما هذان فقد كفيتهما وكان يسأل حذيفة ويقول له أنت صاحب سر رسول الله A في المنافقين فهل ترى علي شيئا من آثار النفاق فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه Bه .
فكل من كان أوفر عقلا وأعلى منصبا كان أقل إعجابا وأعظم اتهاما لنفسه إلا أن هذا أيضا قد عز فقل في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب أو يترك الحسد فلا يزيد على قدر الواجب فلا تخلو في أصدقائك عن حسود أو صاحب غرض يرى ما ليس بعيب عيبا أو عن مداهن يخفى عنك بعض عيوبك .
ولهذا كان داود الطائي قد اعتزل الناس فقيل له لم لا تخالط الناس فقال وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي فكانت شهوة ذوي الدين أن يتنبهوا لعيوبهم بتنبيه غيرهم وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا ويكاد هذا أن يكون مفصحا عن ضعف الإيمان فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقربا لتقلدنا منه منة وفرحنا به واشتغلنا بإزالة العقرب وإبعادها وقتلها وإنما نكايتها على البدن ويدوم ألمها يوما فما دونه ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب أخشى أن تدوم