ذكر صيام الوحش و الهوام في عاشوراء .
و من أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصوم الوحش و الهوام و قد روي مرفوعا : [ أن الصرد أول طير صام عاشوراء ] خرجه الخطيب في تاريخه و إسناده غريب و قد روى ذلك عن أبي هريرة و روي عن فتح بن شخرف قال كنت أفت للنمل الخبز كل يوم فلما كان عاشوراء لم يأكلوه و روي عن القادر بالله الخليفة العباسي أنه جرى له مثل ذلك و أنه عجب منه فسأل أبا الحسن القزويني الزاهد فذكر له أن يوم عاشوراء تصومه النمل و روى أبو موسى المديني بإسناده عن قيس بن عباد قال : بلغني أن الوحش كانت تصوم عاشوراء و بإسناد له عن رجل أتى البادية يوم عاشوراء فرأى قوما يذبحون ذبائح فسألهم عن ذلك فأخبروه أن الوحوش صائمة و قالوا : اذهب بنا نرك فذهبوا به إلى روضة فأوقفوه قال : فلما كان بعد العصر جاءت الوحوش من كل وجه فأحاطت بالروضة رافعة رؤوسها إلى السماء ليس شيء منها يأكل حتى إذا غابت الشمس أسرعت جميعا فأكلت .
و بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال : بين الهند و الصين أرض كان بها بطة من نحاس على عمود من نحاس فإذا كمان يوم عاشوراء مدت منقارها فيفيض من منقارها ماء يكفيهم لزروعهم و مواشيهم إلى العام المقبل و رؤي بعض العلماء المتقدمين في المنام فسئل عن حاله فقال : غفر لي بصيام عاشوراء ستين سنة و في رواية : [ و يوم قبله و يوم بعده ] و ذكر عبد الوهاب الخفاف في كتاب الصيام : قال سعيد : قال قتادة : كان يقال : صوم عاشوراء كفارة لما ضيع الرجل من زكاة ماله و قد روي : إن عاشوراء كان يوم الزينة الذي كان فيه ميعاد موسى لفرعون و أنه كان عيدا لهم و يروى أن موسى عليه السلام كان يلبس فيه الكتان و يكتحل فيه بالإثمد و كان اليهود من أهل المدينة و خيبر في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخذونه عيدا و كان أهل الجاهلية يقتدون بهم في ذلك و كانوا يسترون فيه الكعبة .
و لكن شرعنا ورد بخلاف ذلك ففي الصحيحين [ عن أبي موسى قال : كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود و تتخذه عيدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صوموه أنتم ] و في رواية لمسلم : كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا و يلبسون نساءهم فيه حليهم و شارتهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فصوموه أنتم ] و خرجه النسائي و ابن حبان و عندهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ خالفوهم فصوموه ] و هذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا و على استحباب صيام أعياد المشركين فإن الصوم ينافي اتخاذه عيدا فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر معه كما تقدم فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضا فلا تبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية و على مثل هذا يحمل ما خرجه الإمام أحمد و النسائي و ابن حبان [ من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم يوم السبت و يوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام و يقول : إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم ] فإنه إذا صام اليومين معا خرج بذلك عن مشابهة اليهود و النصارى في تعظيم كل طائفة ليومها منفردا و صيامه فيه مخالفة لهم في اتخاذه عيدا و يجمع بذلك بين هذا الحديث و بين حديث النهي عن صيام يوم السبت .
و كل ما روى في فضل الإكتحال في يوم عاشوراء و الإختضاب و الإغتسال فيه فموضوع لا يصح و أما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : من صام عاشوراء فكأنما صام السنة و من تصدق فيه كان كصدقة السنة أخرجه أبو موسى المديني .
و أما التوسعة فيه على العيال فقال حرب : سألت أحمد عن الحديث الذي جاء : [ من وسع على أهله يوم عاشوراء ] فلم يره شيئا و قال ابن منصور : قلت لأحمد : هل سمعت في الحديث : [ من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة ] فقال : نعم رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد عن المنتشر و كان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه : أنه من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته قال ابن عيينة : جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيرا و قول حرب أن أحمد لم يره شيئا إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإنه لا يصح إسناده و قد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء و ممن قال ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم و قال العقبلي : هو غير محفوظ و قد روي عن عمر من قوله و في إسناده مجهول لا يعرف