نزول جبريل في الثلاثة أيام الأخيرة لوفاة الرسول .
و في حديث خرجه العقيلي أنه صلى الله عليه و سلم قال لها في مرضه : [ ائتيني بسواك رطب امضغيه ثم ائتيني به أمضغه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يوهن به عند الموت قال جعفر بن محمد عن أبيه لما بقي من أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث نزل عليه جبريل عليه السلام فقال : يا أحمد إن الله قد أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك و خاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك يقول لك : كيف تجدك ؟ فقال : أجدني يا جبريل مغموما و أجدني يا جبريل مكروبا ثم أتاه في اليوم الثاني فقال له مثل ذلك ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك ثم استأذن فيه ملك الموت فقال جبريل : يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك و لم يستأذن على آدمي كان قبلك و لا يستأذن على آدمي بعدك قال : ائذن له فدخل ملك الموت فوقف بين يديه فقال : يا رسول الله يا أحمد إن الله أرسلني إليك و أمرني أن أطيعك في كل ما تأمر إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها و إن أمرتني أن أتركها تركتها ؟ قال : و تفعل ذلك يا ملك الموت قال : بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني به فقال جبريل : يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك قال : فامض يا ملك الموت لما أمرت به فقال جبريل عليه السلام : السلام عليك يا رسول الله هذا آخر موطيء من الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا و جاءت التعزية يسمعون الصوت و الحس و لا يرون الشخص : السلام عليكم يا أهل البيت و رحمة الله وبركاته : { كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة } إن في الله عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا من كل فائت فبالله فاتقوا و إياه فارجوا إنما المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ] .
و كانت وفاته صلى الله عليه و سلم في يوم الإثنين في شهر ربيع الأول بغير خلاف وكان قد كشف الستر في ذلك اليوم و الناس في صلاة الصبح خلف أبي بكر فهم المسلمون أن يفتنوا من فرحهم برؤيته صلى الله عليه و سلم حين نظروا إلى وجهه كأنه ورقة مصحف و ظنوا أنه يخرج للصلاة فأشار إليهم أن مكانكم ثم أرخى الستر و توفى صلى الله عليه و سلم من ذلك اليوم و ظن المسلمون أنه صلى الله عليه و سلم قد برئ من مرضه لما أصبح يوم الإثنين مفيقا فخرج أبو بكر إلى منزله بالسنح خارج المدينة فلما ارتفع الضحى من ذلك اليوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قيل توفي حين زاغت الشمس و الأول أصح و أنه توفي حين اشتد الضحى من يوم الإثنين في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة حين هاجر إليها .
و اختلفوا في تعيين ذلك اليوم من الشهر فقيل : كان أوله و قيل : ثانية و قيل ثاني عشرة و قيل : ثالث عشرة و قيل : خامس عشرة و المشهور بين الناس : إنه كان ثاني عشر ربيع الأول و قد رد ذلك السهيلي و غيره بأن وقفة حجة الوداع في السنة العاشرة كانت الجمعة كان أول ذي الحجة فيها الخميس و متى كان كذلك لم يصح أن يكون يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سواء حسبت الشهور الثلاثة أعني : ذا الحجة و محرما و صفرا كلها كاملة أو ناقصة أو بعضها كاملة و بعضها ناقصة و لكن أجيب عن هذا بجواب حسن و هو أن ابن اسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم توفي لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول و هذا ممكن فإن العرب تؤرخ بالليالي دون الأيام و لكن لا تؤرخ إلا بليلة مضى يومها فيكون اليوم تبعا لليلة و كل ليلة لم يمض يومها لم يعتد بها كذلك إذا ذكروا الليالي في عدد فإنهم يريدون بها الليالي مع أيامها فإذا قالوا عشر ليال فمرادهم بأيامها و من هنا يتبين صحة قول الجمهور في أن عدة الوفاة أربعة أشهر و عشر ليال بأيامها و أن اليوم العاشر من جملة تمام العدة خلافا للأوزاعي و كذلك قال الجمهور في أشهر الحج : إنها شوال و ذو القعدة وعشر من ذي الحجة و أن يوم النحر داخل فيها لهذا المعنى خلافا للشافعي وحينئذ فيوم الإثنين الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه و سلم كان : ثالث عشر الشهر لكن لما لم يكن يومه قد مضى لم يؤرخ بليلته إنما أرخوا بليلة الأحد و يومها و هو الثاني عشر فلذلك قال ابن إسحاق توفي لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول و الله أعلم .
و اختلفوا في وقت دفنه فقيل : دفن من ساعته و فيه بعد و قيل : من ليلة الثلاثاء و قيل : ليلة الأربعاء و لما توفي صلى الله عليه و سلم اضطرب المسلمون فمنهم من دهش فخربط و منهم من أقعد فلم يطق القيام و منهم من اعتقل لسانه فلم ينطق الكلام و منهم من أنكر موته بالكلية و قال : إنما بعث إليه كما بعث إلى موسى و كان من هؤلاء عمر و بلغ الخبر أبا بكر فأقبل مسرعا حتى دخل بيت عائشة و رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجى فكشف عن وجهه الثوب و أكب عليه و قبل جبهته مرارا و هو يبكي و هو يقول : وانبياه واخليلاه واصفياه و قال : إنالله و إنا إليه راجعون مات و الله رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : و الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتب الله عليك فقدمتها ثم دخل المسجد و عمر يكلم الناس و هم مجتمعون عليه فتكلم أبو بكر و تشهد و حمد الله فأقبل الناس إليه و تركوا عمر فقال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت و تلا : { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } الآية فاستيقن الناس كلهم بموته و كأنهم لم يسمعوا هذه الآية من قبل أن يتلوها أبو بكر فتلقاها الناس منه فما يسمع أحد إلا يتلوها و قالت فاطمة عليها السلام : يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه يا أبتاه من ربه ما أدناه و عاشت بعده ستة أشهر فما ضحكت في تلك المدة و حق لها ذلك .
( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه و إن كان من ليلى على الهجر طاويا ... ) .
كل المصائب تهون عند هذه المصيبة في سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه و سلم قال في مرضه : [ يا أيها الناس إن أحد من الناس أو المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ] قال أبو الجوزاء : كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه و يقول : يا عبد الله اتق الله فإن في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة .
( اصبر لكل مصيبة و تجلد ... و اعلم بأن المرء غير مخلد ) .
( و اصبر كما صبر الكرام فإنها نوب تنوب اليوم تكشف في غد ) .
( و إذا أتتك مصيبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد ) .
و لبعضهم : .
( تذكرت لما فوق الدهر بيننا فعزيت نفسي بالنبي محمد ) .
( و قلت لها إن المنايا سبيلنا فمن لم يمت في يومه مات في الغد ) .
كانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول صلى الله عليه و سلم فكيف بقلوب المؤمنين لما فقده الجذع الذي كان يخطب إليه قبل اتخاذ المنبر حن إليه و صاح كما يصيح الصبي فنزل إليه فاعتنقه فجعل يهدي كما يهدي الصبي الذي يسكن عند بكائه فقال : لو لم أعتنقه لحن إلي يوم القيامة كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى و قال : هذه خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه و وري أن بلالا كان يؤذن بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم قبل دفنه فإذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ارتج المسجد بالبكاء و النحيب فلما دفن ترك بلال الأذان ما أمر عيش من فارق الأحباب خصوصا من كانت رؤيته حياة الألباب .
( لو ذاق طعم الفراق رضوى ... لكاد من وجده يميد ) .
( قد حملوني عذاب شوق ... يعجز عن حمله الحديد ) .
لما دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت فاطمة : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنس : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي دفن فيه أظلم منها كل شيء و ما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم التراب و إنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا .
( ليبك رسول الله من كان باكيافلا تنس قبرا بالمدينة ثاويا ) .
( جزى الله عنا كل خير محمدافقد كان مهديا و قد كان هاديا ) .
( و كان رسول الله روحا و رحمة و نورا و برهانا من الله باديا ) .
( و كان رسول الله بالخير آمرا و كان عن الفحشاء و السوء ناهيا ) .
( و كان رسول الله بالقسط قائما و كان لما استرعاه مولاه راعيا ) .
( و كان رسول الله يدعو إلى الهدى قلبي رسول الله لبيه داعيا ) .
( أينسى أبر الناس بالناس كلهم و أكرمهم بيتا و شعبا و واديا ) .
( أينسى رسول الله أكرم من مشى و آثاره بالمسجدين كما هيا ) .
( تكدر من بدع النبي محمد عليه السلام كل مل كان صافيا ) .
( و كنا إلى الدنيا الدنية بعده و كشفت الأطماع منا مساويا ) .
( و كم من منار كان أوضحه لنا و من علم أمسى و أصبح عافيا ) .
( إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا و إن كان كاسيا ) .
( وخير خصال المرء طاعة ربه و لاخير فيمن كان الله عاصيا )