المجلس الثالث في صيام آخر شعبان .
ثبت في الصحيحين [ عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل : هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال : لا قال : فإذا أفطرت فصم يومين ] و في رواية للبخاري أظنه يعني رمضان و في رواية لمسلم و علقها البخاري : [ هل صمت من سرر شعبان شيئا ] و في رواية : [ فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه ] و في رواية : [ يوما أو يومين ] شك شعبة و روي : [ من سرار الشهر ] و قد اختلف في تفسير السرار و المشهور إنه آخر الشهر يقال : سرار الشهر و سراره بكسر السين و فتحها ذكره ابن السكيت و غيره و قيل : إن الفتح أفصح قاله الفراء و سمي آخر الشهر سرارا : لاسترار القمر فيه و ممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد و غيره من الأئمة و كذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر و أشكل هذا على كثير من العلماء في الصحيحين أيضا [ عن أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه ] فقال كثير من العلماء كأبي عبيد و من تابعه كالخطابي و أكثر شراح الحديث : أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم أن له عادة بصيامه أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه و قالت طائفة : حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك و آخر شعبان مطلقا سواء وافق عادة أو لم يوافق و إنما ينهى عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا و هذا مذهب مالك و ذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه : يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده و حكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار و ذكر محمد بن ناصر الحافظ : إن هذا هو مذهب أحمد أيضا و غلط في نقله هذا عن أحمد و لكن يشكل على هذا الحديث [ أبي هريرة Bه و قوله : إلا من كان يصوم صوما فليصمه ] و قد ذكر الشافعي في كتاب مختلف الحديث احتمالا في معنى قوله : [ إلا من كان يصوم صوما فليصمه ] و في رواية : [ إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم ] أن المراد بموافقة العادة صيامه على عادة الناس في التطوع بالصيام دون صيامه بنية الرمضانية للاحتياط .
و قالت طائفة : سر الشهر : أوله و خرج أبو داود في باب تقدم رمضان من [ حديث معاوية أنه قال : إني متقدم الشهر فمن شاء فليتقدم فسئل عن ذلك فقال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : صوموا الشهر و سره ] ثم حكى أبو داود عن الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز : أن سر الشهر : أوله قال أبو داود : و قال بعضهم : سره وسطه و فرق الأزهري بين سرار الشهر و سره فقال : سراره و سرره آخره و سره وسطه و هي أيام البيض و سر كل شيء جوفه و في رواية لمسلم في [ حديث عمران بن حصين المذكور : هل صمت من سرة هذا الشهر ] و فسر ذلك : بأيام البيض قلت : لا يصح أن يفسر سرر الشهر و سراره بأوله لأن أول الشهر يشتهر فيه الهلال و يرى من أول الليل و لذلك سمى الشهر شهرا لاشتهاره و ظهوره فتسمية ليالي الإشتهار ليالي السرار قلب للغة و العرف و قد أنكر العلماء ما حكاه أبو داود عن الأوزاعي منهم الخطابي و روى بإسناده عن الوليد عن الأوزاعي قال : سر الشهر : آخره و قال الهروي : المعروف أن سر الشهر آخره و فسر الخطابي حديث معاوية : [ صوموا الشهر و سره ] بأن المراد بالشهر الهلال فيكون المنى صوموا أول الشهر و آخره فلذلك أمر معاوية بصيام آخر الشهر قلت : لما روى معاوية : [ صوموا الشهر و سره ] و صام آخر الشهر علم أنه فسر السر بالآخر و الأظهر أن المراد بالشهر شهر رمضان كله و المراد بسره آخر شعبان كما في رواية البخاري في حديث عمران أظنه يعني رمضان و أضاف السرر إلى رمضان و إن لم يكن منه كما سمى رمضان شهر عيد و إن كان العيد ليس منه لكنه يعقبه فدل حديث عمران و حديث معاوية على استحباب صيام آخر شعبان و إنما أمر بقضائه في أول شوال لأن كلا من الوقتين صيام يلي شهر رمضان فهو ملتحق برمضان في الفضل فمن فاته ما قبله صامه فيما بعده كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يصوم شعبان و ندب إلى صيام شوال .
و إنما يشكل على هذا حديث أبي هريرة Bه في نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا من له عادة أو من كان يصوم صوما و أكثر العلماء على أنه نهى عن التقدم إلا من كانت له عادة بالتطوع فيه و هو ظاهر الحديث و لم يذكر أكثر العلماء في تفسيره بذلك اختلافا و هو الذي اختاره الشافعي في تفسيره و لم يرجح ذلك الإحتمال المتقدم و على هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران فإن حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به و أما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحدثين و أحسن ما حمل عليه : أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان قد علم منه صلى الله عليه و سلم أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي صلى الله عليه و سلم و كان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان و كلاهما حريم لرمضان و فيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوع بالصيام و أن يكون في أيام مشابهة للأيام التي فات فيها الصيام في الفضل و فيه دليل على أنه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما .
فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال : .
أحدها : أن يصوم بنية الرمضانية احتياطا لرمضان فهذا منهي عنه و قد فعله بعض الصحابة و كأنهم لم يبلغهم النهي عنه و فرق ابن عمر بين يوم الغيم و الصحو في يوم الثلاثين من شعبان و تبعه الإمام أحمد .
و الثاني : أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة و نحو ذلك فجوزه الجمهور و نهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بفطر يوم مطلقا و هم طائفة من السلف و حكي كراهته أيضا عن أبي حنيفة و الشافعي و فيه نظر .
و الثالث : أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بالفطر منهم الحسن و إن وافق صوما كان يصومه و رخص فيه مالك و من وافقه و فرق الشافعي و الأوزاعى و أحمد و غيرهم بين أن يوافق عادة أو لا و كذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين و وصله برمضان فلا يكره أيضا إلا عند من كره الإبتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدىء الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان و في الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء و انه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة و لا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره .
و لكراهة التقدم ثلاثة معان : أحدها : أنه على وجه الإحتياط لرمضان فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم فزادوا فيه بآرائهم و أهوائهم و خرج الطبراني و غيره عن عائشة Bه قالت : إن ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله } قالت عائشة : إنما الصوم صوم الناس و الفطر فطر الناس و مع هذا فكان من السلف من يتقدم للإحتياط و الحديث حجة عليه و لهذا نهي عن صيام يوم الشك قال عمار : من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم و يوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو غيره فكان من المتقدمين من يصومه احتياطا و رخص فيه بعض الحنفية للعلماء في أنفسهم خاصة دون العامة لئلا يعتقدوا وجوبه بناء على أصلهم في أن صوم رمضان يجزىء بنية الصيام المطلق و النفل و يوم الشك هو الذي تحدث فيه برؤيته من لم يقبل قوله فأما يوم الغيم فمن العلماء من جعله يوم شك و نهى عن صيامه و هو قول الأكثرين و منهم من صامه احتياطا و هو قول ابن عمر و كان الإمام أحمد يتابعه على ذلك و عنه في صيامه ثلاث روايات مشهورات ثالثها لا يصام إلا مع الإمام و جماعة المسلمين لئلا يقع الإفتيات عليهم و الإنفراد عنهم و قال اسحاق : لا يصام يوم الغيم و لكم يتلوم بالأكل فيه إلى ضحوة النهار خشية أن يشهد برؤيته بخلاف حال الصحو فإنه يأكل فيه من غدوة .
و المعنى الثاني : الفصل بين صيام الفرض و النفل فإن جنس الفصل بين الفرائض و النوافل مشروع و لهذا حرم صيام يوم العيد و نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام و خصوصا سنة الفجر قبلها فإنه يشرع الفصل بينها و بين الفريضة و لهذا يشرع صلاتها في البيت و الإضطجاع بعدها و لما رأى النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يصلي و قد أقيمت صلاة الفجر : [ الصبح أربعا ] و في المسند : أنه صلى الله عليه و سلم قال : [ افصلوا بينها و بين المكتوبة و لا تجعلوها كصلاة الظهر ] و في سنن أبي داود : [ إن رجلا صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما سلم قام يشفع فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبيه فهزه ثم قال : اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن لصلاتهم فصل فرفع النبي صلى الله عليه و سلم بصره فقال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب ] و من علل بهذا .
فمنهم من كره وصل صوم شعبان برمضان مطلقا و روي عن ابن عمر قال : لو صمت الدهر كله لأفطرت الذي بينهما و روي فيه حديث مرفوع لا يصح و الجمهور على جواز صيام ما وافق عادة لأن الزيادة إنما تخشى إذا لم يعرف سبب الصيام .
و المعنى الثالث : إنه أمر بذلك للتقوي على صيام رمضان فإن مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان و في هذا التعليل نظر فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك و لا لمن صام الشهر كله و هو أبلغ في معنى الضعف لكن الفطر بنية التقوي لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الفطر أحيانا ثم يسرد الصوم ليتقوى بفطره على صومه و منه قول بعض الصحابة إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي و في الحديث المرفوع : [ الطاعم الشاكر كالصائم الصابر ] خرجه الترمذي و غيره و لربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام و لهذا يقولون هي أيام توديع للأكل و تسمى تنحيسا و اشتقاقه من الأيام النحسات و من قال : هو تنهيس بالهاء فهو خطأ منه ذكره ابن درستويه النحوي و ذكر أن أصل ذلك متلقى من النصارى فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم و هذا كله خطأ و جهل ممن ظنه و ربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة بل يتعدى إلى المحرمات و هذا هو الخسران المبين و أنشد لبعضهم : .
( إذا العشرون من شعبان ولت ... فواصل شرب ليلك بالنهار ) .
( و لا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق على الصغار ) .
و قال آخر .
( جاء شعبان منذرا بالصيام ... فاسقياني راحا بماء الغمام ) .
و من كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه و له نصيب من قوله تعالى : { و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها } الآية و ربما كره كثير منهم صيام رمضان حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه و كان للرشيد ابن سفيه فقال مرة : .
( دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ... و لا صمت شهرا بعده آخر الدهر ) .
( فلو كان يعديني الأنام بقدرة ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر ) .
فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة و مات قبل أن يدركه رمضان آخر و هؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة و الصيام فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام و كثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان فيطول عليه و يشق على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعد الأيام و الليالي ليعودوا إلى المعصية و هؤلاء مصرون على ما فعلوا و هم يعلمون فهم هلكى و منهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان و حكاية محمد بن هارون البلخي مشهورة و قد رويت من وجوه و هو أنه كان مصرا على شرب الخمر فجاء في آخر يوم من شعبان و هو سكران فعاتبته أمه و هي تسجر تنورا فحملها فألقاها في التنور فاحترقت و كان بعد ذلك قد تاب و تعبد فرؤي له في النوم أن الله قد غفر للحاج كلهم سواه فمن أراد الله به خيرا حبب إليه الإيمان و زينه في قلبه و كره إليه الكفر و الفسوق و العصيان فصار من الراشدين و من أراد به شر خلى بينه و بين نفسه فاتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر و الفسوق و العصيان فكان من الغاوين الحذر الحذر من المعاصي فكم سلبت من نعم و كم جلبت من نقم و كم خربت من ديار و كم أخلت ديارا من أهلها فما بقي منهم ديار كم أخذت من العصاة بالثار كم محت لهم من آثار .
( يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه ... عواقب الذنب تخشى و هي تنتظر ) .
( فكل نفس ستجزى بالذي كسبت ... و ليس للخلق من ديانهم وزر ) .
أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان ليلهم قيام و نهارهم صيام باع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له و يستعدون بالأطعمة و غيرها فسألتهم فقالوا نتهيأ لصيام رمضان فقالت : و أنتم لا تصومون إلا رمضان لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ردوني عليهم باع الحسن بن صالح جارية له فلما انتصف الليل قامت فنادتهم : يا أهل الدار الصلاة الصلاة قالوا : طلع الفجر ؟ قالت : أنتم لا تصلون إلا المكتوبة ثم جاءت الحسن فقالت : بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني قال بعض السلف : صم الدنيا و اجعل فطرك الموت الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم و استهلوا عيد فطرهم .
( و قد صمت عن لذات دهري كلها ... و يوم لقاكم ذاك فطر صيامي ) .
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته و من تعجل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة و فواته و شاهد ذلك قوله تعالى : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها } الآية و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة و من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ] .
( أنت في دار شتات ... فتأهب لشتاتك ) .
( و اجعل الدنيا كيوم ... صمته عن شهواتك ) .
( و ليكن فطرك عند اللـ ... ه في يوم وفاتك ) .
في حديث مرفوع خرجه ابن أبي الدنيا : [ لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ] و كان النبي صلى الله عليه و سلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد و النسائي [ عن أبي هريرة Bه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يبشر أصحابه يقول : قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان و تغلق فيه أبواب الجحيم و تغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ] قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين من أين يشبه هذا الزمان زمان و في حديث آخر : [ أتاكم رمضان سيد الشهور فمرحبا به و أهلا ] جاء شهر الصيام بالبركات فأكرم به من زائر هو آت و روي : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول : اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان ] خرجه الطبراني و غيره من حديث أنس قال معلى بن الفضل : كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم و قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان و سلم لي رمضان و تسلمه مني متقبلا بلوغ شهر رمضان و صيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه و يدل عليه [ حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرؤي في المنام سابقا لهما فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أليس صلى بعدهما كذا و كذا صلاة و أدرك رمضان فصامه ؟ ! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء و الأرض ] خرجه الإمام أحمد و غيره من رحم في رمضان فهو المرحوم و من حرم خيره فهو المحروم و من لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم .
( أتى رمضان مزرعة العباد ... لتطهير القلوب من الفساد ) .
( فأد حقوقه قولا و فعلا ... و زادك فاتخذه للمعاد ) .
( فمن زرع الحبوب و ما سقاها ... تأوه نادما يوم الحصاد ) .
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح .
( أناس أعرضوا عنا ... بلا جرم و لا معنى ) .
( أساؤا ظنهم فينا ... فهلا أحسنوا الظنا ) .
( فإن عادوا لنا عدنا ... و إن خانوا فما خنا ) .
( فإن كانوا قد استغنوا ... فإنا عنهم أغنا ) .
كم ينادي حي على الفلاح و أنت خاسر كم تدعى إلى الصلاح و أنت على الفساد مثابر .
( إذا رمضان أتى مقبلا ... فاقبل فبالخير يستقبل ) .
( لعلك تخطئه قابلا ... و تأتي بعذر فلا يقبل ) .
كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر كم من مستقبل يوما لا يستكمله و مؤمل غدا لا يدركه إنكم لو أبصرتم الأجل و مسيره لأبغضتم الأمل و غروره خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها فقال فيها : إنكم لم تخلقوا عبثا و لن تتركوا سدى و إن لكم معادا ينزل الله فيه للفصل بين عباده فقد خاب و خسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء و حرم جنة عرضها السموات و الأرض ألا ترون إنكم في أسلاب الهالكين و سيرتها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين و في كل يوم تشيعون غاديا و رائحا إلى الله قد قضى نحبه و انقضى أجله فتودعونه و تدعونه في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد قد خلع الأسباب و فارق الأحباب و سكن التراب و واجه الحساب غنيا عما خلف فقيرا إلى ما أسلف فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت و انقضاء مواقيته و إني لأقول لكم هذه المقالة و ما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي و لكن أستغفر الله و أتوب إليه ثم رفع طرف ردائه و بكى حتى شهق ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه .
( يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ... حتى عصى ربه في شهر شعبان ) .
( لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ... فلا تصيره أيضا شهر عصيان ) .
( و اتل القرآن و سبح فيه مجتهدا ... فإنه شهر تسبيح و قرآن ) .
( فاحمل على جسد ترجو النجاة له ... فسوف تضرم أجساد بنيران ) .
( كم كنت تعرف ممن صام في سلف ... من بين أهل و جيران و إخوان ) .
( أفناهم الموت و استبقاك بعدهم ... حيا فما أقرب القاصي من الداني ) .
( و معجب بثياب العيد يقطعها ... فأصبحت في غد أثواب أكفان ) .
( حتى يعمر الإنسان مسكنه ... مصير مسكنه قبر لإنسان )