المجلس الخامس في ذكر السبع الأواخر من رمضان .
في الصحيحين [ عن ابن عمر Bهما : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ] .
و في صحيح مسلم [ عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي ] قد ذكرنا فيما تقدم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجتهد في شهر رمضان على طلب ليلة القدر و أنه اعتكف مرة العشر الأوائل منه ثم طلبها فاعتكف بعد ذلك العشر الأوسط في طلبها و إن ذلك تكرر منه غيرة مرة ثم استقر أمره على اعتكاف العشر الأواخر في طلبها و أمر بطلبها فيه ففي الصحيحين [ عن عائشة Bها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ] و في رواية للبخاري : [ في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ] .
و له من [ حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : التمسوها في العشر الأواخر الغوابر من رمضان ] و لمسلم من [ حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : التمسوها في العشر الغوابر ] .
و الأحاديث في المعنى كثيرة و كان يأمر بالتماسها في أوتار العشر الأواخر ففي صحيح البخاري [ عن ابن عباس Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى ] و في رواية له : [ هي في العشر في سبع تمضين أو سبع يبقين ] و خرج الإمام أحمد و النسائي و الترمذي من [ حديث أبي بكرة قال : ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول : التمسوها في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة ] و كان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد ثم بعد ذلك أمر بطلبها في السبع الأواخر و في المسند و كتاب النسائي [ عن أبي ذر قال : كنت أسأل الناس عنها يعني ليلة القدر فقلت : يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر ؟ أفي رمضان هي أو في غيره ؟ قال : بلى هي في رمضان قلت : تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : بل هي إلى يوم القيامة قلت في أي رمضان هي ؟ قال التمسوها في العشر الأول و العشر الأواخر قلت : فبأي العشرين هي ؟ قال : في العشر الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم اهتبلت غفلته فقلت : يا رسول الله أقسمت بحقي لما أخبرتني في أي العشر هي ؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته ؟ و قال : التمسوها في السبع الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ] و خرجه ابن حبان في صحيحه و الحاكم و في رواية لهما : أنه قال : [ ألم أنهك أن تسألني عنها إن الله لو أذن لي أن أخبركم بها لأخبرتكم لا آمن أن تكون في السبع الأواخر ] .
ففي هذه الرواية أن بيان النبي صلى الله عليه و سلم لليلة القدر انتهى إلى أنها في السبع الأواخر و لم يزد على ذلك شيئا و هذا مما يستدل به من رجح ليلة ثلاث و عشرين و خمس و عشرين على ليلة إحدى و عشرين فإن ليلة إحدى و عشرين ليست من السبع الأواخر بلا تردد و قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجوه أخر : [ أنه بين أنها ليلة سبع و عشرين ] كما سيأتي إن شاء الله تعالى و اختلف في أول السبع الأواخر فمنهم من قال أول السبع ليلة ثلاث و عشرين على حساب نقصان الشهر دون تمامه لأنها المتيقن و روي هذا ابن عباس و سيأتي كلامه فيما بعد إن شاء الله تعالى و في صحيح البخاري عن بلال قال : إنها أول السبع من العشر الأواخر و خرجه ابن أبي شيبة و عنده قال : ليلة ثلاث و عشرين و هذا قول مالك قال : أرى و الله أعلم أن التاسعة ليلة إحدى و عشرين و السابعة ليلة ثلاث و عشرين و الخامسة ليلة خمس و عشرين و تأوله عبد الملك بن حبيب على أنه إنما يحسب كذلك إذا كان الشهر ناقصا و ليس هذا بشيء فإنه أمر بالإجتهاد في هذه الليالي على هذا الحساب و هذا لا يمكن أن يكون مراعى بنقصان الشهر في آخره و كان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث و عشرين و يمس طيبا و ليلة أربع و عشرين و يقول : ليلة ثلاث و عشرين ليلة أهل المدينة و ليلة أربع و عشرين ليلتنا يعني أهل البصرة و كذلك كان ثابت و حميد يفعلان و كانت طائفة تجتهد ليلة أربع وعشرين روي عن أنس و الحسن و روي عنه قال : رقبت الشمس عشرين سنة ليلة أربع و عشرين فكانت تطلع لا شعاع لها و روي عن ابن عباس ذكره البخاري عنه و قيل : إن المحفوظ عنه أنها ليلة ثلاث و عشرين كما سبق و قد تقدم حديث إنزال القرآن في ليلة أربع و عشرين و كذلك أبو سعيد الخدري و أبو ذر حسبا الشهر تاما فيكون عندهما أول السبع الأواخر ليلة أربع و عشرين و ممن اختار هذا القول ابن عبد البر و استدل بأن الأصل تمام الشهر و لهذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بإكماله إذا غم مع احتمال نقصانه و كذلك رجحه بعض أصحابنا و قد تقدم [ من حديث أنس Bه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا كان ليلة أربع و عشرين لم يذق غمضا ] و إسناده ضعيف و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على أن أول السبع البواقي ليلة ثلاث و عشرين ففي مسند الإمام أحمد [ عن جابر أن عبد الله بن أنيس سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ليلة القدر و قد خلت اثنان و عشرون ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : التمسوها في السبع الأواخر التي بقين من الشهر ] و فيه أيضا [ عن عبد الله بن أنيس أنهم سألوا النبي صلى الله عليه و سلم عن ليلة القدر و ذلك مساء ليلة ثلاث و عشرين فقال : التمسوها هذه الليلة فقال رجل من القوم : فهي إذن يا رسول الله أولى ثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنها ليست بأولى ثمان و لكنها أولى سبع أن الشهر لا يتم ] و فيه أيضا [ عن أبي هريرة Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كم مضى من الشهر ؟ قلنا : مضت ثنتان و عشرون و بقي ثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا بل مضت ثنتان و عشرون و بقي سبع اطلبوها الليلة ] و قد يحمل هذا على شهر خاص اطلع النبي صلى الله عليه و سلم على نقصانه و هو بعيد و يدل على خلافه أنه روي في تمام [ حديث أبي هريرة Bه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشهر هكذا و هكذا و هكذا ثم خنس إبهامه في الثالثة ] فهذا يدل على أنه تشريع عام و إنه حسب الشهر على تقدير نقصانه أبدا لأنه المتيقن كما ذهب إليه أيوب و مالك و غيرهما و على قولهما تكون ليلة سابعة تبقى ليلة ثلاث و عشرين و ليلة خامسة تبقى ليلة خمس و عشرين و ليلة تاسعة تبقى ليلة إحدى و عشرين و قد روي عن النعمان بن بشير Bه أنه أنكر أن تحسب ليلة القدر بما مضى من الشهر و أخبر أن الصحابة يحسبونها بما بقي منه و هذا الإحتمال إنما يكون في مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ التمسوها في التاسعة و السابعة و الخامسة ] و قد خرجه البخاري من حديث عبادة Bه و مسلم من حديث أبي سعيد فإنه يحتمل أن يراد به التاسعة و السابعة و الخامسة بما يبقى و بما يمضي فأما حديث ابن عباس و أبي بكرة و ما في معناهما فإنها مقيدة بالباقي من الشهر فلا يحتمل أن يراد به الماضي و حينئذ يتوجه الإختلاف السابق في أنه هل يحسب على تقدير تمام الشهر أو نقصانه و حديث ابن عباس قد روي بالشك فيما مضى أو يبقى و قد خرجه البخاري بالوجهين و حديث أبي ذر في قيام النبي صلى الله عليه و سلم بهم أفراد العشر الأواخر قد خرجه أبو داود الطيالسي بلفظ صريح : أنه قام بهم أشاع العشر الأواخر و حسبها أوتارا بالنسبة إلى ما يبقى من الشهر و قدره تاما و جعل الليلة التي قامها حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح ليلة ثمان و عشرين و هي الثالثة مما يبقى و قد قيل : إن ذلك من تصرف بعض الرواة بما فهمه من المعنى و الله أعلم و على قياس من حسب الليالي الباقية من الشهر على تقدير نقصان الشهر فينبغي أن يكون عنده أول العشر الأواخر ليلة العشرين لاحتمال أن يكون الشهر ناقصا فلا يتحقق كونها عشر ليال بدون إدخال ليلة العشرين فيها و قد يقال : بل العشر الأواخر عبارة عما بعد انقضاء العشرين الماضية من الشهر و سواء كانت تامة أو ناقصة فهي المعبر عنها بالعشر الأواخر و قيامها هم قيام العشر الأواخر و هذا كما يقال : صام عشر ذي الحجة و إنما صام منه تسعة أيام و لهذا كان ابن سيرين يكره أن يقال : صام عشر ذي الحجة و قال : إنما يقال : صام التسع و من لم يكره و هم الجمهور فقد يقولون : الصيام المضاف إلى العشر هو صيام ما يمكن منه وهو ما عدا يوم النحر و يطلق على ذلك العشر لأنه أكثر العشر و الله أعلم .
و قد اختلف الناس في ليلة القدر كثيرا فحكى عن بعضهم أنها رفعت و حديث أبي ذر يرد ذلك و روي عن محمد بن الحنفية أنها في كل سبع سنين مرة و في إسناده ضعف و عن بعضهم أنها في كل السنة حكي عن ابن مسعود و طائفة من الكوفيين و روي عن أبي حنيفة و قال الجمهور : هي في رمضان كل سنة ثم منهم من قال : هي في الشهر كله و حكي عن بعض المتقدمين : أنها أول ليلة منه و قالت طائفة : هي في النصف الثاني منه و قد حكي عن أبي يوسف و محمد و قد تقدم قول من قال : إنها ليلة بدر على اختلافهم هي ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة و قال الجمهور : هي منحصرة في العشر الأواخر و اختلفوا في أي ليالي العشر أرجى فحكي عن الحسن و مالك أنها تطلب في جميع ليال العشر أشفاعه و أوتاره و رجحه بعض أصحابنا و قال : لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ التمسوها في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو خامسة تبقى ] إن حملناه على تقدير كمال الشهر كانت أشفاعا و إن حملناه على ما بقي منه حقيقة كان الأمر موقوفا على كمال الشهر فلا يعلم قبله فإن كان تاما كانت الليالي المأمور بها بطلبها أشفاعا و إن كان ناقصا كانت أوتارا فيوجب ذلك الإجتهاد في القيام في كلا الليلتين الشفع منها و الوتر و قال الأكثرون : بل بعض لياليه أرجى من بعض و قالوا : الأوتار أرجى في الجملة ثم اختلفوا أي الأوتار أرجى : فمنهم من قال : ليلة إحدى و عشرين و هو المشهور عن الشافعي لحديث أبي سعيد الخدري و قد ذكرناه فيما سبق و حكي عنه أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين قال في القديم : كأني رأيت و الله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين و هي التي مات فيها علي بن أبي طالب Bه و قد جاء في ليلة سبع عشرة و ليلة أربع و عشرين و ليلة سبع و عشرين انتهى و قد روي عن علي و ابن مسعود Bهما : أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين و حكى للشافعي قول آخر : أرجاها ليلة ثلاث و عشرين و هذا قول أهل المدينة و حكاه سفيان الثوري عن أهل مكة و المدينة و ممن روي عنه أنه كان يوقظ أهلها فيها ابن عباس و عائشة و هو قول مكحول و روى رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال : أصابني احتلام في أرض العدو و أنا في البحر ليلة ثلاث و عشرين في رمضان فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب فناديت أصحابي أعلمهم أني في ماء عذب قال ابن عبد البر : هذه الليلة تعرف بليلة الجهني بالمدينة يعني عبد الله بن أنيس و قد روي عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره بقيامها و في صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في ليلة القدر : [ أريت أني أسجد صبيحتها في ماء و طين ] فانصرف النبي صلى الله عليه و سلم من صلاة الصبح يوم ثلاث و عشرين و على جبهته أثر الماء و الطين و قال سعيد بن المسيب : كان النبي صلى الله عليه و سلم في نفر من أصحابه فقال : [ ألا أخبركم بليلة القدر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله فسكت ساعة ثم قال : لقد قلت لكم ما قلت آنفا و أنا أعلمها ثم أنسيتها أرأيتم يوما كنا بموضع كذا و كذا ـ أي ليلة هي في غزوة غزاها ـ فقالوا : سرنا فقفلنا حتى استقام ملأ القوم على أنها ليلة ثلاث و عشرين ] خرجه عبد الرزاق في كتابه و رجحت طائفة ليلة أربع و عشرين و هم : الحسن و أهل البصرة و قد روي عن أنس و كان حميد و أيوب و ثابت يحتاطون فيجمعون بين الليلتين أعني ليلة ثلاث و أربع و رجحت طائفة ليلة سبع وعشرين و حكاه الثوري عن أهل الكوفة و قال نحن نقول هي ليلة سبع و عشرين لما جاءنا عن أبي بن كعب و ممن قال بهذا أبي بن كعب و كان يحلف عنه و لا يستثني وزر بن حبيش و عبده بن أبي لبابة و روي عن قنان بن عبد الله النهي قال : سألت زرا عن ليلة القدر ؟ فقال : كان عمر و حذيفة و أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين خرجه ابن أبي شيبة و هو قول أحمد و إسحاق و ذهب أبو قلابة إلى أنها تنتقل في ليالي العشر و روي عنه أنها تنتقل في أوتاره خاصة و ممن قال بانتقالها في ليال العشر : المزني و ابن خزيمة و حكاه ابن عبد البر عن مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أبي ثور و في صحة ذلك عنهم بعد و إنما قول أنها في العشر و تطلب في لياليه كله .
و اختلفوا في أرجى لياليه كما سبق و استدل من رجح ليلة سبع و عشرين بأن أبي بن كعب كان يحلف على ذلك و يقول بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها خرجه مسلم و خرجه أيضا بلفظ آخر عن أبي بن كعب Bه قال : و الله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقيامها هي ليلة سبع و عشرين و في مسند الإمام أحمد [ عن ابن عباس Bهما أن رجلا قال : يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فمرني بليلة يوفقني الله فيها لليلة القدر قال : عليك بالسابعة ] و إسناده على شرط البخاري و روى الإمام أحمد أيضا قال حدثنا يزيد بن هارون : أنبأنا شعبة [ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر Bهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كان منكم متحريها فليتحرها ليلة سبع و عشرين أو قال : تحروها ليلة سبع و عشرين ] يعني ليلة القدر و رواه شبابة و وهب بن جرير عن شعبة مثله ورواه أسود بن عامر عن شعبة مثله و زاد : [ في السبع البواقي ] قال شعبة : و أخبرني ثقة عن سفيان أنه إنما قال : في السبع البواقي يعني لم يقل : ليلة سبع و عشرين قال أحمد في رواية ابنه صالح الثقة هو يحيى بن سعيد قال شعبة : فلا أدري أيهما قال و رواه عمرو عن شعبة و قال في حديثه : [ ليلة سبع و عشرين ] أو قال : [ في السبع الأواخر ] بالشك فرجع الأمر إلى أن شعبة شك في لفظه و رواه [ حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمرو قال : كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه و سلم إنها الليلة السابعة من العشر الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرى رؤياكم أنها قد تواطأت إنها ليلة السابعة في العشر الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها ليلة السابعة من العشر الأواخر ] كذا رواه حنبل بن اسحاق عن عارم عن حماد و كذا خرجه الطحاوي عن إبراهيم بن مرزوق عن عارم و رواه البخاري في صحيحه عن عارم إلا أنه لم يذكر لفظه ليلة السابعة بل قال : [ من كان متحريها فليتحرها في العشر الأواخر ] ورواه [ عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر Bهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني أرى رؤياكم قد تواطأت إنها ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة ] قال معمر : فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث و عشرين يشير إلى أنه حملها على سابعة تبقى و خرجه الثعلبي في تفسيره من طريق [ الحسن بن عبد الأعلى عن عبد الرزاق بهذا الإسناد و قال : في حديثه ليلة سابعة تبقى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث و عشرين فمن كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث و عشرين ] و هذه الألفاظ غير محفوظة في الحديث و الله أعلم و في سنن أبي داود بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح [ عن معاوية عن النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة القدر ليلة سبع و عشرين ] و خرجه ابن حبان في صحيحه و صححه ابن عبد البر و له علة و هي وقفه على معاوية و هو أصح عند الإمام أحمد و الدارقطني و قد اختلف أيضا عليه في لفظه و في المسند [ عن ابن مسعود Bه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : متى ليلة القدر ؟ فقال : من يذكر منكم ليلة الصهباوات ] قال عبد الله : أنا بأبي أنت و أمي و إن في يدي لتمرات أتسحر بهن مستترا بمؤخرة رحل من الفجر و ذلك حين طلع القمر و خرجه يعقوب بن شيبة في مسنده و زاد : و ذلك ليلة سبع و عشرين و قال : صالح الإسناد و الصهباوات : موضع بقرب خيبر و في المسند أيضا من وجه آخر [ عن ابن مسعود Bه عن النبي قال : إن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان ] و إذا حسبنا أول السبع الأواخر ليلة أربع و عشرين كانت ليلة سبع و عشرين نصف السبع لأن قبلها ثلاث ليال و بعدها ثلاث و مما يرجح أن ليلة القدر ليلة سبع و عشرين أنها من السبع الأواخر التي أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتماسها فيها بالإتفاق و في دخول الثالثة و العشرين في السبع اختلاف سبق ذكره و لا خلاف أنها آكد من الخامس و العشرين و مما يدل على ذلك أيضا حديث أبي ذر في قيام النبي صلى الله عليه و سلم بهم في أفراد السبع الأواخر و إنه قام بهم في الثالثة و العشرين إلى ثلث الليل و في الخامسة إلى نصف الليل و في السابعة إلى آخر الليل حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح و جمع أهله ليلتئذ و جمع الناس و هذا كله يدل على تأكدها على سائر أفراد السبع و العشر .
و مما يدل على ذلك ما استشهد به ابن عباس Bه بحضرة عمر Bه و الصحابة معه و استحسنه عمر Bه و قد روي من وجوه متعددة : فروى عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن قتادة و عاصم أنهما سمعا عكرمة يقول : قال ابن عباس Bهما دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس : فقلت لعمر Bه : إني لأعلم أو إني لأظن أي ليلة هي ؟ قال عمر Bه : و أي ليلة هي ؟ : قلت : سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر Bه : و من أين علمت ذلك ؟ قال : فقلت : إن الله خلق سبع سموات و سبع أرضين و سبعة أيام و إن الدهر يدور على سبع و خلق الله الإنسان في سبع و يأكل من سبع و يسجد على سبع و الطواف بالبيت سبع و رمي الجمار سبع لا يشاء ذكرها فقال عمر Bه : لقد فطنت لأمر ما فطنا له و كان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله : يأكل من سبع قال هو قول الله عز و جل : { فأنبتنا فيها حبا * و عنبا و قضبا * و زيتونا و نخلا * و حدائق غلبا * و فاكهة و أبا } و لكن في هذه الرواية : أنها في سبع تمضي أو تبقى بالترديد في ذلك و خرجه ابن شاهين من رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول حدثني لاحق بن حميد و عكرمة قالا : قال عمر Bه : من يعلم ليلة القدر ؟ فذكر الحديث بنحوه و زاد : أن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هي في العشر سبع تمضي أو سبع تبقى ] فخالف في إسناده و جعله مرسلا و رفع آخره روى ابن عبد البر بإسناد صحيح من طريق سعيد بن جبير قال : كان ناس من المهاجرين وجدوا على عمر في ادنائه ابن عباس فجمعهم ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها فقال بعضهم : كنا نراها في العشر الأوسط ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر فأكثروا فيها فقال بعضهم : ليلة إحدى و عشرون و قال بعضهم : ليلة ثلاث و عشرون و قال بعضهم : ليلة سبع و عشرين فقال عمر Bه : يا ابن عباس تكلم فقال : الله أعلم قال عمر : قد نعلم أن الله يعلم و إنما نسألك عن علمك فقال ابن عباس Bهما : إن الله وتر يحب الوتر خلق من خلقه سبع سموات فاستوى عليهن و خلق الأرض سبعا و جعل عدة الأيام سبعا و رمي الجمار سبعا و خلق الإنسان من سبع و جعل رزقه من سبع فقال عمر : خلق الإنسان من سبع و جعل رزقه من سبع هذا أمر ما فهمته ؟ فقال : إن الله تعالى يقول : { و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } حتى بلغ آخر الآيات و قرأ : { أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حبا * و عنبا و قضبا * و زيتونا و نخلا * و حدائق غلبا * و فاكهة و أبا * متاعا لكم و لأنعامكم } ثم قال : و الأب للدواب و خرجه ابن سعد في طبقاته عن اسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير فذكره بمعناه و زاد في آخره : قال : و أما ليلة القدر فما تراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاث و عشرين يمضين أو سبع يبقين و الظاهر إن هذا سمعه سعيد بن جبير من ابن عباس فيكون متصلا وروى عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس Bهما قال : دعا عمر الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : في ليلة القدر ما قد علمتم التمسوها في العشر الأواخر وترا ففي أي الوتر ترونها ؟ فقال رجل برأيه : أنها تاسعة سابعة خامسة ثالثة ثم قال : يا ابن عباس تكلم فقلت : أقول برأي قال : عن رأيك أسألك ؟ فقلت : إني سمعت رسول الله أكثر من ذكر السبع و ذكر باقيه بمعنى ما تقدم و في آخره قال عمر Bه : أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستوي شؤون رأسه خرجه الإسماعيلي في مسند عمر و الحاكم و قال : صحيح الإسناد و خرجه الثعلبي في تفسيره و زاد قال ابن عباس فما أراها إلا ليلة ثلاث و عشرين لسبع بقين و خرج علي بن المديني في كتاب العلل المرفوع منه و قال : هو صالح و ليس مما يحتج به و روى مسلم الملاي ـ و هو ضعيف ـ عن مجاهد عن ابن عباس Bهما أن عمر قال له : أخبرني برأيك عن ليلة القدر فذكر معنى ما تقدم و فيه أن ابن عباس قال : لا أراها إلا في سبع يبقين من رمضان فقال عمر وافق رأي رأيك و روي بإسناد فيه ضعف عن محمد بن كعب عن ابن عباس : أن عمر Bه جلس في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فتذاكروا ليلة القدر فذكر معنى ما تقدم و زاد فيه عن ابن عباس أنه قال : و أعطى من المثاني سبعا و نهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع و قسم الميراث في كتابه على سبع و نقع في السجود من أجسادنا على سبع و قال : فأراها في السبع الأواخر من رمضان و ليس في شيء من هذه الروايات أنها ليلة سبع و عشرين جزما بل في بعضها الترديد بين ثلاث و سبع و في بعضها : أنها ليلة ثلاث و عشرين لأنها أول السبع الأواخر على رأيه و قد صح عن ابن عباس أنه كان ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث و عشرين خرجه عبد الرزاق و خرجه ابن أبي عاصم مرفوعا و الموقوف أصح .
و قد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع و عشرين موضعين : أحدهما : أن الله تعالى ذكر ليلة القدر في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها و ليلة القدر حروفها تسع حروف و التسع إذا ضربت في ثلاثة فهي سبع و عشرون و الثاني : أنه قال سلام الله عليه فكلمة هي : هي الكلمة السابعة و العشرون من السورة فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة قال ابن عطية : هذا من ملح التفسير لا من متين العلم و هو كما قال و مما استدل به من رجح ليلة سبع و عشرين بالآيات و العلامات التي رأيت فيها قديما و حديثا و بما وقع فيها من إجابة الدعوات فقد تقدم عن أبي بن كعب أنه استدل على ذلك بطلوع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها و كان عبدة ابن أبي لبابة يقول : هي ليلة سبع وعشرين و يستدل على ذلك فإنه قد جرب ذلك بأشياء و بالنجوم خرجه عبد الرزاق و روي عن عبدة أنه ذاق ماء البحر ليلة سبع و عشرين فإذا هو عذب ذكره الإمام أحمد بإسناده و طاف بعض السلف ليلة سبع و عشرين بالبيت الحرام فرأى الملائكة في الهواء طائفين فوق رؤوس الناس و روى أبو موسى المديني من طريق أبي الشيخ الأصبهاني بإسناد عن حماد بن شعيب عن رجل منهم قال : كنت بالسواد فلما كان في العشر الأواخر جعلت أنظر بالليل فقال لي رجل منهم : إلى أي شيء تنظر ؟ قلت : إلى ليلة القدر قال : فنم فإني سأخبرك فلما كان ليلة سبع و عشرين جاء و أخذ بيدي فذهب بي إلى النخل فإذا النخل واضع سعفه في الأرض فقال : لسنا نرى هذا في السنة كلها إلا في هذه الليلة و ذكر أبو موسى بأسانيد له أن رجلا مقعدا دعا الله ليلة سبع و عشرين فأطلقه و عن امرأة مقعدة كذلك و عن رجل بالبصرة كان أخرس ثلاثين سنة فدعا الله ليلة سبع و عشرين فأطلق لسانه فتكلم و ذكر الوزير أبو المظفر ابن هبيرة أنه رأى ليلة سبع و عشرين و كانت ليلة جمعة بابا في السماء مفتوحا شامي الكعبة قال : فظننته حيال الحجرة النبوية المقدسة قال : و لم يزل كذلك إلى أن التفت إلى المشرق لأنظر طلوع الفجر ثم التفت إليه فوجدته قد غاب قال : و إن وقع في ليلة من أوتار العشر ليلة جمعة فهي أرجى من غيرها و اعلم أن جميع هذه العلامات لا توجب القطع بليلة القدر و قد روى سلمة بن شبيب في كتاب فضائل رمضان [ حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثني أبي قال : حدثني فرقد : أن أناسا من الصحابة كانوا في المسجد فسمعوا كلاما من السماء ورأوا نورا من السماء و بابا من السماء و ذلك في شهر رمضان فأخبروا رسول الله صلى الله عليه و سلم بما رأوا فزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما النور فنور رب العزة تعالى و أما الباب فباب السماء و الكلام كلام الأنبياء فكل شهر رمضان على هذه الحال و لكن هذه ليلة كشف غطاؤها ] و هذا مرسل ضعيف