الأعمال بالخواتيم .
الأعمال بالخواتيم : إذا أراد الله بعبد غسله قالوا : و ما غسله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه و هؤلاء : منهم : من يوقظ قبل موته بمدة يتمكن فيها من التزود بعمل صالح يختم به عمره و منهم : من يوقظ عند حضور الموت فيوفق لتوبة نصوح يموت عليها قالت عائشة Bها : إذا أراد الله بعبد خيرا قيض له ملكا قبل موته بعام فيسدده و ييسره حتى يموت و هو خير ما كان و يقول الناس : مات فلان خير ما كان و خرجه البزار عنها مرفوعا : إذا أراد الله بعبد خيرا بعث إليه ملكا من عامه الذي يموت فيه فيسدده و ييسره فإذا كان عند موته أتاه ملك الموت فقعد عند رأسه فقال : أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله و رضوان فذلك حين يحب لقاء الله و يحب الله لقاءه و إذا أراد الله بعبد شرا بعث إليه شيطانا من عامه الذي يموت فيه فأغواه فإذا كان عند موته أتاه ملك الموت فقعد عند رأسه فقال : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله و غضب فتتفرق في جسده فذلك حين يبغض لقاء الله و يبغض الله لقاءه و في الدعاء المأثور : اللهم اجعل خير عملي خاتمته و خير عمري آخره و في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : من تاب قبل موته عاما تيب عليه و من تاب قبل موته شهرا تيب عليه حتى قال يوما حتى قال : ساعة حتى قال : فواقا قال : قال له إنسان أرأيت إن كان مشركا فأسلم ؟ قال : إنما أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم قال الآخر : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم فقال ثالث : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال نعم قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة قال الرابع : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه ] و فيه أيضا [ عن أبي سعيد الخدري Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الشيطان قال : و عزتك يا رب لا ابرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب عز و جل : و عزتي و جلالي لا أزل أغفر لهم ما استغفروني ] ذكر ابن أبي الدنيا بإسناد له أن رجلا من ملوك البصرة كان قد تنسك ثم مال إلى الدنيا و الشيطان فبنى دارا و شيدها و أمر بها ففرشت له و نجدت و اتخذ مأدبة و صنع طعاما و دعا الناس فجعلوا يدخلون فيأكلون و يشربون و ينظرون إلى بنائه و يعجبون منه و يدعون له و يتفرقون فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس ثم جلس في نفر من خاصة إخوانه فقال : قد ترون سروري بداري هذه و قد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم و أشاوركم فيما أريد من هذا لولدي فأقاموا عنده أياما يلهون و يلعبون و يشاورهم كيف يبني لولده و كيف يريد أن يصنع فبينما هم ذات ليلة في لهوهم إذا سمعوا قائلا يقول : من أقاصي الدار : .
( يا أيها الباني الناسي منيته ... لا تأمنن فإن الموت مكتوب ) .
( على الخلائق إن سروا و إن فرحوا ... فالموت حتف لذي الآمال منصوب ) .
( لا تبنين ديارا لست تسكنها ... و راجع النسك كيما يغفر الحوب ) .
قال : ففزع لذلك و فزع أصحابه فزعا شديدا و راعهم ما سمعوا من ذلك فقال لأصحابه : هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم قال : فهل تجدون ما أجد ؟ قالوا : و ما تجد ؟ قال : أجد و الله مسكة على قلبي ما أراها إلا علة الموت قالوا : كلا بل البقاء و العافية قال : فبكى و قال : أنتم أخلائي و إخواني فما لي عندكم قالوا : مرنا بما أحببت قال : فأمر بالشراب فأهريق و بالملاهي فأخرجت ثم قال : اللهم إني أشهدك و من حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت أيام مهلتي و إياك أسأل إن أقلتني أن تتم علي نعمتك بالإنابة إلى طاعتك و إن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي و اشتد به الأمر فلم يزل يقول : الموت و الله الموت و الله حتى خرجت روحه و كان الفقهاء يرون أنه مات على توبته و روى الواحدي في كتاب قتلى القرآن : بإسناد له : أن رجلا من أشراف أهل البصرة كان منحدرا إليها في سفينة و معه جارية له فشرب يوما و غنته جاريته بعود لها و كان معهم في السفينة فقير صالح فقال له يا فتى تحسن مثل هذا ؟ قال أحسن ما هو أحسن منه و كان الفقير حسن الصوت فاستفتح و قرأ : { قل متاع الدنيا قليل و الآخرة خير لمن اتقى و لا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة } فرمى الرجل ما بيده من الشراب في الماء و قال : أشهد أن هذا أحسن مما سمعت فهل غير هذا ؟ قال : نعم فتلا عليه : { و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها } الآية فوقعت في قلبه موقعا و رمى بالشراب في الماء و كسر العود ثم قال : يا فتى هل ههنا فرج ؟ قال : نعم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الآية فصاح صيحة عظيمة فنظروا إليه فإذا هو قد مات C و روى ابن أبي الدنيا بإسناد له أن صالحا المري C كان يوما في مجلسه يقص على الناس فقرأ عنده قارىء : { و أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع } فذكر صالح : النار و حال العصاة فيها و صفة سياقهم إليها و بالغ في ذلك و بكى الناس فقام فتى كان حاضرا في مجلسه و كان مسرفا على نفسه فقال : أكل هذا في القيامة ؟ فقال صالح : نعم و ما هو أكبر منه لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المريض المدنف فصاح الفتى أيا لله واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة وا أسفاه على تفريطي في طاعتك يا سيداه وا أسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا ثم استقبل القبلة و عاهد الله على توبة نصوح و دعا الله أن يتقبل منه و بكى حتى غشي عله فحمل من المجلس صريعا فمكث صالح و أصحابه يعودونه أياما ثم مات فحضره خلق كثير فكان صالح يذكره في مجلسه كثيرا و يقول : و بأبي قتيل القرآن و بأبي قتيل الواعظ و الأحزان فرآه رجل في منامه فقال : ما صنعت ؟ قال : عمتني بركة مجلس صالح فدخلت في سعة رحمة الله : { ورحمتي وسعت كل شيء } من آلمته سياط المواعظ فصاح فلا جناح و من زاد ألمه فمات فدمه مباح .
( قضى الله في القتلى قصاص دمائهم ... و لكن دماء العاشقين جبار ) .
و بقى ههنا قسم آخر و هو أشرف الأقسام و أرفعها : و هو من يفني عمره في الطاعة ثم ينبه على قرب الأجل ليجد في التزود و يتهيأ للرحيل بعمل يصلح للقاء يكون خاتمه للعمل قال ابن عباس : لما نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم : { إذا جاء نصر الله و الفتح } نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة قالت أم سلمة : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم في آخر أمره لا يقوم و لا يقعد و لا يذهب و لا يجيء إلا قال : سبحان الله و يحمده فذكرت ذلك له فقال : إني أمرت بذلك و تلا هذه السورة ] كان من عادته صلى الله عليه و سلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرا و يعرض القرآن على جبريل مرة فاعتكف في ذلك العام عشرين يوما و عرض القرآن مرتين و كان يقول : ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ثم حج حجة الوداع و قال للناس : [ خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ] و طفق يودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها و قال : [ أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ثم أمر بالتمسك بكتاب الله ] ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير صلى الله عليه و سلم إذا كان سيد المحسنين يؤمر أن يختم عمره بالزيادة في الإحسان فكيف يكون حال المسيء .
( خذ في جد فقد تولى العمر ... كم ذا التفريط قد تدانى الأمر ) .
( أقبل فعسى يقبل منك العذر ... كم تبني كم تنقض كم ذا العذر ) .
مرض بعض العابدين فوصف له دواء يشربه فأتي في منامه فقيل له : أتشرب الدواء و الحور العين لك تهيأ ؟ فانتبه فزعا فصلى في ثلاثة أيام حتى انحنى صلبه ثم مات في اليوم الثالث كان رجل قد اعتزل و تعبد فرأى في منامه قائلا يقول له : يا فلان ربك يدعوك فتجهز و اخرج إلى الحج و لست عائدا فخرج إلى الحج فمات في الطريق رأى بعض الصالحين في منامه قائلا ينشده : .
( تأهب للذي لا بد منه ... من الموت الموكل بالعباد ) .
( أترضى أن تكون رفيق قوم ... لهم زاد و أنت بغير زاد ) .
خرج ابن ماجه [ من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب فقال في خطبته : أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا و بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ] و في سنده ضعف فأمر بالمبادرة قبل الموت و كل ساعة تمر على ابن آدم فإنه يمكن أن تكون ساعة موته بل كل نفس كما قيل : .
( لا تأمن الموت في طرف و لا نفس ... و إن تمنعت بالحجاب و الحرس ) .
قال لقمان لابنه : يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة و قال بعض الحكماء : لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل و يؤخر التوبة لطول الأمل .
( إلى الله تب قبل انقضاء من العمر ... أخي و لا تأمن مفاجأة الأمر ) .
( و لا تستصمن عن دعائي فإنما ... دعوتك إشفاقا عليك من الوزر ) .
( فقد حذرتك الحادثات نزولها ... و نادتك إلا أن سمعك ذو وقر ) .
( تنوح و تبكي للأحبة إن مضوا ... و نفسك لا تبكي و أنت على الأثر ) .
قال بعض السلف : أصبحوا تائبين و أمسوا تائبين يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح و يمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحا أو مساء فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين قال الله تعالى : { و من لم يتب فأولئك هم الظالمون } تأخير التوبة في حال الشباب قبيح و في حال المشيب أقبح و أقبح .
( نعى لك ظل الشباب مزهج ... و نادتك باسم سواك الخطوب ) .
( فكن مستعدا لداعي الفنا ... فكل الذي هو آت قريب ) .
( ألسنا نرى شهوات النفو ... س تفنى و تبقى علينا الذنوب ) .
( يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف يكن حال من لا يتوب ) .
فإن نزل المرض بالعبد فتأخيره للتوبة حينئذ أقبح من كل قبيح فإن المرض نذير الموت و ينبغي لمن عاد مريضا أن يذكره التوبة و الإستغفار فلا أحسن من ختام الأعمال بالتوبة و الإستغفار فإن كان العمل سيئا كان كفارة له و إن كان حسنا كان كالطابع عليه و في حديث سيد الإستغفار المخرج في الصحيح : [ أن من قاله إذا أصبح و إذا أمسى ثم مات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة ] و ليكثر في مرضه من ذكر الله عز و جل خصوصا كلمة التوحيد فإنه من كانت آخر كلامه دخل الجنة و في حديث [ أبي سعيد و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن من قال في مرضه : لا إله إلا الله و الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله فإن مات من مرضه لم تطعمه النار ] خرجه النسائي و ابن ماجه و الترمذي و حسنه و في رواية للنسائي : [ من قالهن في يوم أو في ليلة أو في شهر ثم مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه ] و يروى من [ حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم : من ختم له بقوله لا إله إلا الله دخل الجنة و من ختم له بصيام يوم أراد به وجه الله أدخله الله الجنة و من ختم له بإطعام مسكين أراد به وجه الله أدخله الله الجنة ] كان السلف يرون : أن من مات عقب عمل صالح كصيام رمضان أو عقيب حج أو عمرة يرجى له أن يدخل الجنة و كانوا مع اجتهادهم في الصحة في الأعمال الصالحة يجددون التوبة و الإستغفار عند الموت و يختمون أعمالهم بالإستغفار و كلمة التوحيد لما احتضر العلاء بن زياد بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : كنت و الله أحب أن أستقبل الموت بتوبة قالوا : فافعل رحمك الله فدعا بطهور فتطهر ثم دعا بثوب جديد فلبسه ثم استقبل القبلة فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك ثم اضطجع و مات و لما احتضر عامر بن عبد الله بكى و قال : لمثل هذا الصراع فليعمل العاملون : اللهم إني أستغفرك من تقصيري و تفريطي و أتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا الله ثم لم يزل يرددها حتى مات C و قال عمرو بن العاص C عند موته : اللهم أمرتنا فعصينا و نهيتنا فركبنا و لا يسعنا إلا عفوك لا إله إلا الله ثم رددها حتى مات و قال عمر بن عبد العزيز C عند موته : أجلسوني فأجلسوه فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت و نهيتني فعصيت و لكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحد النظر فقالوا : إنك تنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين فقال : أتاني حضرة ما هم بإنس و لا جن ثم قبض رحمة الله عليه و سمعوا تاليا يتلو : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين } .
( يا غافل القلب عن ذكر المنيات ... عما قليل ستثوى بين أموات ) .
( فاذكر محلك من قبل الحلول به ... و تب إلى الله من لهو و لذات ) .
( إن الحمام له وقت إلى أجل ... فاذكر مصائب أيام و ساعات ) .
( لا تطمئن إلى الدنيا و زينتها ... قد حان للموت يا ذا اللب أن يأتي ) .
التوبة التوبة قبل أن يصل إليكم من الموت التوبة فيحصل المفرط على الندم و الخيبة و الإنابة الإنابة قبل غلق باب الإجابة الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة ما أحسن قلق التواب ما أحلى قدوم الغياب ما أجمل وقوفهم بالباب .
( أسأت و لم أحسن وجئتك هاربا ... و إني لعبد من مواليه مهرب ) .
( يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه ... فما أحد منه على الأرض أخيب ) .
من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها فما تنتظر إلا الولادة كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت فقبيح منه الإصرار على الذنب .
( أي شيء تريد مني الذنوب ... شغفت بي فليس عني تغيب ) .
( ما يضر الذنوب لو أعتقتني ... رحمة بي فقد علاني المشيب ) .
و لكن توبة الشاب أحسن و أفضل في حديث مرفوع خرجه ابن أبي الدنيا : [ إن الله يحب الشاب التائب ] قال عمير بن هانيء : تقول التوبة للشاب : أهلا و مرحبا و تقول للشيخ : نقبلك على ما كان منك الشاب ترك المعصية مع قوة الداعي إليها و الشيخ قد ضعفت شهوته و قل داعيه فلا يستويان في بعض الآثار يقول الله عز و جل : أيها الشاب التارك شهوته المبتذل شبابه لأجلي أنت عندي كبعض ملائكتي قال عمر : إن الذين يشترون المعاصي و لا يعلمون بها : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و أجر عظيم } كم بين حال الذي { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } و بين شيخ عنين يدعى لمثل ذلك كان عمر يعس بالمدينة فسمع امرأة غاب عنها زوجها تقول كان .
( تطاول هذا الليل و اسود جانبه ... و أرقني أن لا خليل ألاعبه ) .
( فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه ) .
( و لكن تقوى الله عن ذا تصدني ... و حفظا لبعلي أن تنال مراكبه ) .
فقال لها عمر يرحمك الله ثم بعث إلى زوجها أمره أن يقدم عليها و أمر أن لا يغيب أحد عن امرأته اكثر من أربعة أشهر و عشرا الشيخ قد تركته الذنوب فلا حمد له على تركها كما قيل : .
( تارك الذنب فتاركته ... بالفعل و الشهوة في القلب ) .
( فالحمد للذنب على تركه ... لا لك في تركك للذنب ) .
أما تستحي منا لما أعرضت لذات الدنيا عنك فلم يبق لك فيها رغبة و صرت من سقط المتاع لا حاجة لأحد فيك جئت إلى بابنا فقلت : أنا تائب و مع هذا فكل من أوى إلينا آويناه و من استجار بنا أجرناه و من تاب إلينا أحببناه : أبشر فربما يكون الشيب شافعا لصاحبه من العقوبات مات شيخ كان مفرطا فرؤي في المنام فقيل له : ما فعل بك قال : قال لي لولا أنك شيخ لعذبتك وقف شيخ بعرفة و الناس يضجون بالدعاء و هو ساكت ثم قبض على لحيته و قال : يا رب شيخ يرجو رحمتك .
( لما أتونا و الشيب شافعهم ... و قد توالى عليهم الخجل ) .
( قلنا لسود الصحائف انقلبي ... بيضا فإن الشيوخ قد قبلوا ) .
كان بعض الصالحين يقول : .
( إن الملوك إذا شابت عبيدهم ... في رقهم عتقوهم عتق أبرار ) .
( و أنت يا خلقي أولى بذاكر ما ... قد شبت في الرق فأعتقني من النار ) .
أيها العاصي ما يقطع من صلاحك الطمع ما نصبنا اليوم شرك المواعظ إلا لتقع إذا خرجت من المجلس و أنت عازم على التوبة قالت لك ملائكة الرحمة : مرحبا و سهلا فإن قال لك رفقاؤك في المعصية : هلم إلينا فقل لهم : كلا ذاك خمر الهوى الذي عهدتموه قد استحال خلا يا من سود كتابه بالسيئات قد آن لك بالتوبة أن تمحو يا سكران القلب بالشهوات أما آن لفؤادك أن يصحو .
( يا نداماي صحا القلب صحا ... فاطردوا عني الصبا و المرحا ) .
( زجر الوعظ فؤادي فارعوي ... و أفاق القلب مني و صحا ) .
( هزم العزم جنودا للهوى ... فاسدي لا تعجبوا إن صلحا ) .
( بادروا التوبة من قبل الردى ... فمناديه ينادينا الوحا ) .
تم كتاب لطائف المعارف بحمد الله و عونه و حسن توفيقه و كان الفراغ منه في يوم الأربعاء حادي و العشرين من شهر شوال سنة خمس و ستين و ثمانمائة