( 213 ) وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به و إلا فجل ربنا أن يتصل به شيء أو يتصل هو بشيء .
يعني : أن الوصول إلى الله تعالى الذي يشير إليه أهل هذه الطريق فيقولون : فلان واصل أو من أهل الوصول . إنما هو الوصول إلى العلم الحقيقي بالله تعالى و هذا هو غاية السالكين و منتهى سير السائرين . و إلا نرد ذلك بل أردنا الوصول المفهوم بين الذوات فلا يصح لأنه تعالى منزه عنه إذ لا يتصل من لا شبيه له بمن له شبيه و نظير .
( 214 ) قربك منه أن تكون شاهداً لقربه و إلا فمن أين أنت و وجود قربه .
يعني : أن مقام القرب الذي يشير إليه أهل هذه الطريق إنما هو مشاهدتك لقربه تعالى منك قرباً معنوياً لقوله سبحانه : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } ( 16 ) ق فتستفيد بهذه المشاهدة شدة المراقبة وغلبة الهيبة و التأدب بآداب الحضرة بحيث لا يراك حيث نهاك و لا يفقدك حيث أمرك . وإلا نرد القرب المعنوي بل أردنا القرب الحسي فلا يصح لأنه لا مناسبة بين القديم و الحادث فلا يليق بك إلا وصف البعد و شهوده من نفسك . كما سيقول المؤلف : إلهي ما أقربك مني و ما أبعدني عنك .
( 215 ) الحقائق ترد في حال التجلي مجملة و بعد الوعي يكون البيان { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ... ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ } 19 القيامة .
يعني : أن العلوم اللدنية التي يقذفها الحق تعالى في أسرار الأبرار عند .
ص 143 .
براءتهم من الدعوى و تحررهم من رق الأغيار لا تتوقف على تعلم و لا دراسة بل هي منح إلهية في غاية النفاسة ترد في حال التجلي من الله على قلوبهم مجملة لا تتبين لهم معانيها لعظم تجلي الرحمن . و بعد الوعي بزوال ذلك التجلي يكون البيان فيتبين لهم معناها وموافقتها لما في أيديهم من العلوم النقلية و العقلية .
فإن الحقيقة موافقة للشريعة لقولهم : حقيقة بلا شريعة باطلة بلا حقيقة عاطلة .
فالحقائق الواردة على قلوب العارفين فيها نوع شبه بالوحي المنزل على سيد العالمين و لذلك استدل بقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي : أقرأناه لك على لسان جبريل : { فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي : فاستمع لقراءته ثم اقرأه بعد ذلك . { ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي : بيان معانيه لك .
والمراد هنا : فإذا ألقينا عليك - أيها العارف - شيئاً من الحقائق اللدنية والعلوم الإلهامية فلا تعمل فكرك وراجع إلينا في تبيين المبهم وتفصيل المجمل فإن ذلك علينا . وصدق الالتجاء منك أجمل .
( 216 ) متى وردت الواردات الإلهية إليك هدمت العوائد عليك { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } ( 34 ) النمل .
أي متى وصلت التجليات الإلهية إلى قلبك - أيها المريد - وحصل لك من المعارف والأحوال ما تميز به بين ما للشقي والسعيد هدمت العوائد التي اعتادتها نفسك الخبيثة عليك وقربت الأحوال السنية التي يحسن التخلق بها إليك . فإن الواردات الإلهية لها سلطنة عظيمة كالملوك .
فإذا وردت على قلب مشحون بالخبائث أزالتها عنه حتى يصلح للسلوك