ولما توفي اجتمع الأمراء على أخذ البيعة من بعده إلى ولده أبي العباس أحمد فبايع له المعتمد بولاية العهد من بعد أبيه وخطب له على المنابر وجعل إليه ما كان لأبيه من الولاية والعزل والقطع والوصل ولقب المعتضد بالله وفيها توفي إدريس بن سليم الفقعسي الموصلي قال ابن الأثير كان كثير الحديث والصلاح واسحاق بن كنداج نائب الجزيرة كان من ذوي الرأي وقام بما كان إليه ولده محمد ويازمان نائب طرسوس جاءه حجر منجنيق من بلدة كان محاصرها ببلاد الروم فمات منه في رجب من هذه السنة ودفن بطرسوس فولى نيابة الثغر بعده أحمد الجعيفي بأمر خمارويه بن أحمد بن طولون ثم عزله عن قريب بابن عمه موسى بن طولون وفيها توفي عبده بن عبدالرحيم قبحه الله ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرا في بلاد الروم فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون محاصروا بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها فراسلها ما السبيل إلى الوصول إليك فقالت أن تتنصر وتصعد إلي فأجابها إلى ذلك فما راع المسلمين إلا وهو عندها فاغتم المسلمون بسبب ذلك غما شديدا وشق عليهم مشقة عظيمة فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن فقالوا يا فلان ما فعل قرآنك ما فعل علمك ما فعل صيامك ما فعل جهادك ما فعلت صلاتك فقال اعلموا أني أنسيت القرآن كله إلا قوله ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهيهم الأمل فسوف يعلمون وقد صار لي فيهم مال وولد .
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين .
في أواخر المحرم منها خلع جعفر المفوض من المعهد واستقل بولاية العهد من بعد المعتمد أبو العباس المعتضد بن الموفق وخطب له بذلك على رؤس الأشهاد وفي ذلك يقول يحيى بن علي يهني المعتضد ... ليهنيك عقد أنت فيه المقدم ... حباك به رب بفضلك أعلم ... فإن كنت قد أصبحت والي عهدنا ... فأنت غدا فينا الإمام المعظم ... و زال من والاك فيه مبلغا ... مناه ومن عاداك يخزى ويندم ... وكان عمود الدين فيه تعوج ... فعاد بهذا العهد وهو مقوم ... وأصبح وجه الملك جذلان ضاحكا ... يضيء لنا منه الذي كان مظلم ... فدونك شدد عقد ما قد حويته ... فإنك دون الناس فيه المحكم ... وفيها نودي ببغداد أن لا يمكن أحد من القصاص والطرقية والمنجمين ومن أشبههم من الجلوس في المساجد ولا في الطرقات وأن لا تباع كتب الكلام والفلسفة والجدل بين الناس وذلك بهمة