الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه .
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين .
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم .
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية