وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب C ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج .
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله .
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات .
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن