وذكروا في قتله أسبابا من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك فبقي في نفسها منه فلما كان بينها وبين الملك ما يجب منها استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها فبعثت إليه من قتله وجاء براسه ودمه في طست إلى عندها فيقال إنها هلكت من فورها وساعتها .
وقيل بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك فتمنع عليها الملك ثم أجابها إلى ذلك فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طست .
وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه المبتدأ حيث قال : أنبأنا يعقوب الكوفي عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن ابن يحيى خبرني عن قتلك كيف كان ولم قتلك بنو إسرائيل ؟ قال : يا محمد أخبرك أن يحيى كان خير أهل زمانه وكان أجملهم وأصبحهم وجها وكان كما قال تعالى : { سيدا وحصورا } وكان لا يحتاج إلى النساء فهويته امرأة ملك بني إسرائيل وكانت بغية فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها فأجمعت على قتل يحيى ولهم عيد يجتمعون في كل عام وكانت سنة الملك أن يعد ولا يخلف ولا يكذب .
قال : فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته وكان بها معجبا ولم تكن تفعله فيما مضى فلما أن شيعته قال الملك : سليني فما سألتني شيئا إلا أعطيتك قالت : أريد دم يحيى ابن زكريا قال لها : سليني غيره قالت : هو ذاك : قال هو لك قال فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي وأنا إلى جانبه أصلي قال : فذبح في طست وحمل رأسه ودمه إليها قال : فقال رسول الله ( A ) : فما بلغ من صبرك ؟ قال : ما انفلت من صلاتي .
قال : فلما حمل رأسه إليها فوضع بين يديها فلما أمسوا خسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل : قد غضب إله زكريا لزكريا فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا قال : فخرجوا في طلبي ليقتلوني وجاءني النذير فهربت منهم وإبليس أمامهم يدلهم علي فلما تخوفت ألا أعجزهم عرضت لي شجرة فنادتني وقالت : إلي إلي وانصدعت لي ودخلت فيها .
وقال : وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة ن وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس : أما رأيتموه دخل هذه الشجرة هذا طرف ردائه دخلها بسحره فقال : نحرق هذه الشجرة فقال إبليس : شقوها بالمنشار شقا قال : فشققت مع الشجرة بالمنشار .
قال له النبي ( A ) : هل وجدت له مسا أو وجعا ؟ قال : لا إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها .
هذا سياق غريب جدا وحديث عجيب ورفعه منكر وفيه ما ينكر على كل حال ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء : فمررت بابني الخالة يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة فجاء على قول الجمهور كما في ظاره الحديث فإن أم يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم بنت عمران وقيل بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى هي أخت حنة امرأة عمران أم مريم فيكون يحيى ابن خالة مريم فالله أعلم .
ثم اختلف في مقتل يحيى بن زكريا هل كان في المسجد الأقصى أم بغيره على قولين : فقال الثوري عن الأعمش عن شملة بن عطية قال : قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا عليه السلام .
وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : قدم بختنصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وأن قصة بختنصر كانت بعد المسيح كما قاله عطاء والحسن البصري فالله أعلم وروى الحافظ ابن عساكر من طريق الوليد بن مسلم عن زيد بن واقد قال : رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلي المحراب مما يلي الشرق فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير وفي رواية : كأنما قتل الساعة .
وذكر في بناء مسجد دمشق أنه جعل تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة فالله أعلم .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في المستقصي في فضائل الأقصى من طريق العباس بن صبح عن مروان عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية قال : كان ملك هذه المدينة - يعني دمشق - هداد بن هدار وكان قد زوج ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا وقد كان من جملة أملاكها سوق الملوك بدمشق وهو الصاغة العتيقة وقال كان قد حلف بطلاقها ثلاثا ثم إنه أراد مراجعتها فاستفتى يحيى بن زكريا فقال : لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك فحقدت عليه وسألت من الملك رأس يحيى بن زكريا وذلك بإشارة أمها فأبى عليها ثم أجباها إلى ذلك وبعث إليه وهو قائم يصلي بمسجد جبرون من أتاه برأسه في صينية فجعل الرأس يقول له : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فأخذت المرأة الطبق فحملته على رأسها وأتت به أمها وهو يقول كذلك فلما تمثلت بين يدي أمها خسف بها إلى قدميها ثم إلى حقويها وجعلت أمها تولول والجواري يصرخن ويلطمن وجوههن ثم خسف بها إلى منكبيها فأمرت أمها السياق أن يضرب عنقها لتتسلى برأسها ففعل فلفظت الأرض جثتها عند ذلك ووقعوا في الذل والفناء ولم يزل دم يحيى يفور حتى قدم بختنصر فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا .
قال سعيد بن عبد العزيز : وهي دم كل نبي ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا عليه السلام فقال : ايها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله فسكن فرفع السيف وهرب من هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس فتبعهم إليها فقتل خلقا كثيرا لا يحصون كثرة وسبى منهم ثم رجع عنهم