اجتمع ابن الراوندي وأبو علي الجبائي على جسر بغداذ فقال له : يا با علي أما تسمع مني معارضتي للقرآن وتقضي له . فقال له أبو علي : أنا أعرف بمجاري علومك وعلوم أهل دهرك ولكن أحاكمك إلى نفسك فهل تجد في معارضتك له عذوبةً وهشاشة وتشاكلاً وتلازماً ونظماً كنظمه وحلاوة كحلاوته . قال : لا والله . قال : قد كفيتني فانصرف حيث شئت . وذكر أبو علي الجبائي أن السلطان طلب ابن الراوندي وأبا عيسى الوراق ؛ فأما أبو عيسى فحبس حتى مات وأمّا ابن الراوندي فهرب إلى ابن لاوي الهروي ووضع له كتاب الدامغ في الطعن على محمد A وعلى القرآن ثم لم يلبث غلاّ أياماً يسيرة حتى مرض ومات إلى اللّعنة . وعاش أكثر من ثمانين سنة . وسرد ابن الجوزي من زندقته أكثر من ثلاث ورقات . قال الجبائي : وكان قد وضع كتاباً للنصارى على المسلمين في إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم ونسبه إلى الكذب وشتمه وطعن في القرآن الذي جاء به . وذكر أبو الوفاء ابن عقيل أن بعض السلاطين طلب ابن الراوندي وأنه هلك وله ست وثلاثون سنة مع ما انتهى إليه في المخازي . وقيل هلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين .
؟ ؟ أبو جعفر البجلي .
أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو جعفر البجليّ الحلواني البغداذي . قال الخطيب : ثقة وتوفي سنة ست وتسعين ومائتين .
ابن الجلاء الصوفي .
أحمد بن يحيى أبو عبد الله ابن الجلاء أحد مشايخ الصوفية الكبار صحب أباه وذا النون وجماعة كباراً ؛ استوفى ابن عساكر ترجمته . توفي سنة ست وثلاثمائة .
أبو الحسن البلاذري .
أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري أبو الحسن . وقيل أبو بكر البغداذي . ذكره الصولي في ندماء المتوكل ؛ مات في أيام المعتمد أو في أواخرها وربما أدرك أول أيّام المعتضد . كان جدّه جابر يخدم الخصيب صاحب مصر وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال : سمع بدمشق هشام بن عمار وأبا حفص ابن عمر بن سعيد وبحمص محمد بن مصفّى وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمن بن سهم وأحمد بن مرد الأنطاكي وبالعراق عفّان بن مسلم وعبد الأعلى بن حماد وعلي بن المديني وعبد الله بن صالح العجلي ومصعباً الزبيري وأبا عبيد القاسم بن سلام وعثمان ابن أبي شيبة وذكر جماعة ؛ وروى عنه يحيى ابن النديم وأحمد بن عبد الله بن عمّار وأبو يوسف يعقوب بن نعيم . ووسوس آخر عمره بشربه البلاذر على غير معرفة . وكان أحمد بن يحيى بن جابر عالماً فاضلاً شاعراً راوية نسّابة متقناً وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان آخذاً لأعراض الناس . وتناول وهب بن سليمان ابن وهب لما ضرط فمزّقه فمن قوله فيه وكانت الضرطة بحضرة عبيد الله ابن يحيى بن خاقان : .
أيا ضرطةً حسبت رعدة ... تنوّق في سهلها جهده .
تقدّم وهب بها سابقاً ... وصلّى أخو صاعدٍ بعده .
لقد هتك الله ستريهما ... كذا كلّ من يطعم الفهده .
وقال في عافية ابن شبيب : .
من رآه فقد رأى ... عربياً مدلّسا .
ليس يدري جليسه ... أفسا أم تنفسا .
ولما أمر المتوكّل إبراهيم بن العباس الصولي أن يكتب في أمر الخراج كتاباً حتّى يقع أخذ الخراج في خمسٍ من حزيران فكتب كتاباً معروفاً ودخل به عبيد الله بن يحيى وقرأه واستحسنه الناس داخل البلاذريّ الحسد وقال : فيه خطأ فتدبره إبراهيم الصولي ولم ير فيه شياً فقال : الخطأ لا يعرى منه أحد فيعرفنا الخطأ الذي فيه . فقال له المتوكل : قل لنا ما هو ؟ فقال : هو شيء لا يعرفه إلا علي بن يحيى المنجم محمد بن موسى وذاك أنه أرّخ الشهر الرومي بالليالي وأيام الروم قبل لياليها . وإنّما تورّخ العرب بالليالي لأن لياليها قبل أيّامها بسبب الأهلة . فقال إبراهيم : يا أمير المؤمنين هذا ما لا علم به وغيّر تاريخه . قال البلاذري : كنت من جلساء المستعين بالله فقصده الشعراء فقال : لست أقبل إلاّ من الذي يقول مثل قول البحتري في المتوكل : .
فلو انّ مشتاقاً تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر .
فرجعت إلى داري وأتيته فقلت : قلت فيك أحسن مماّ قال البحتري في المتوكل . فقال : هاته فأنشدته : .
ولو أنّ برد المصطفى إذ لبسته ... يظنّ البرد أنّك صاحبه .
وقال وقد أعطيته ولبسته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه