وورد كتابه على أرغون شاه نائب الشام يقول له فيه : إنني أشتهي أن أتوجه إلى الناعم لأتصيد به وما يمكنني ذلك إلا بمرسومك . فقال : بسم الله المكان مكانك ! .
وأذن له فحضر إلى الناعم وأقام على بحرة حمص أياماً يتظاهر بالصيد ثم إنه ركب في ليلة بمن معه من العسكر الطرابلسي وساق إلى خان لاجين ونزل به وأقام من الثانية في النهار إلى أن اصفرت الشمس وركب بمن معه وجاء إلى الأمير سيف الدين أرغون شاه نائب دمشق وهو مقيم في القصر الأبلق فأمسكه من فراشه وأخرجه وجهزه إلى زاوية المنيبع وقيده وذلك بمعونة الأمير فخر الدين أياز السلحدار . ويقال : إنه ما وصل إلى سوق الخيل بدمشق حتى إن الأمير فخر الدين أياز دق باب القصر الأبلق وأخرج أرغون شاه وأمسكه ثم لما انفجر الصبح نزل بالميدان الأخضر وطلب أمراء الشام والمقدمين وأخرج لهم كتاب السلطان وقال : هذا مرسوم السلطان بإمساك أرغون شاه ! .
فما شك أحد في ذلك . ثم إنه احتاط على أموال أرغون شاه وأخذها وأخذ جواهره وكان ذلك بكرة الخميس ثالث عشرين شهر ربيع الأول . ولما أصبحت الجمعة ظهر الخبر بأن أرغون شاه ذبح نفسه وأحضروا نائب الحكم والعدول وأروهم أرغون شاه مذبوحاً وبيده سكين ولما أخذ الأموال حصلها عنده في القصر الأبلق بعد ما جهز بريداً إلى باب السلطان وطالع بإمساك أرغون شاه وأنه ذبح نفسه وجهز ذلك على يد الأمير عز الدين أيدمر الشمسي وأقام والأمراء في خدمته إلى يوم الثلاثاء فتحدث الأمراء فيما بينهم لأنه أراد أن ينفق فيهم ويحلفهم فأنكروا ذلك ولبسوا آله الحرب ووقفوا بسوق الخيل وليس هو وجماعة من الجراكسة والأمير فخر الدين أياز ومماليكه وخرجوا إلى العسكر وكانت النصرة لألجيبغا وقتل جماعة من عسكر الشام ورموا الأمير بدر الدين ابن الخطير والأمير سيف الدين طيدمر الحاجب عن الفرس وقطعت يد الأمير سيف الدين ألجيبغا العادلي أحد مقدمي الألوف بدمشق وأخذ أموال أرغون شاه وجواهره وتوجه بها العصر وخرج على المزة وتوجه على البقاع إلى طرابلس وأقام بها . فما كان بعد أيامٍ إلا وقد جاءت الملطفات إلى أمراء الشام بإنكار هذه القضية وأن هذا أمر لم نرسم به ولا علمنا به فتجتهدوا على إمساك ألجيبغا وأستاذداره تمربغا وتجهيزهما والكتاب الذي ادعى أنه بمرسومنا إلى الأبواب الشريفة ! .
وكتب بذلك إلى سائر نواب الشام فتجردت العساكر إليه وربطوا عليه الدروب وسدوا عليه المنافس . فبلغته الأخبار فخرج من طرابلس وخرج خلفه العسكر الطرابلسي إلى أن جاء إلى نهر الكلب عند بيروت فوجده موعراً وأمراء الغرب وتركمان وجبلية وأهل بيروت واقفين في وجهه فوقف من الثانية في النهار إلى العصر فكر راجعاً فوجد العسكر الطرابلسي خلفه فواقفوه ولم يزالوا به إلى أن كل ومل فسلم نفسه فجاءوا به إلى عسكر الشام وكان أياز قد تركه وانفرد عنه وهرب في ثلاثة أنفارٍ من مماليكه فأمسكه ناصر الدين ابن معين في قرية العاقورة وأحضره إلى قلعة بعلبك فقيد بها . وقدم العسكر الشامي بأياز وبألجيبغا مقيدين إلى قلعة دمشق واعتقلا بها ثم إنهم جهزوا ألجيبغا إلى باب السلطان صحبة الأمير سيف الدين باينجار الحاجب فوصل من مصر يوم الأربعاء الأمير سيف الدين قجا السلاحدار وعلى يده كتاب السلطان بأن يوسط ألجيبغا وأياز في سوق الخيل بحضور العساكر الشامية ويعلقا على الخشب إلى أن يقعا من نتنهما . فلما كان يوم الخميس ركب العسكر الشامي جميعه والأمير شهاب الدين أحمد نائب صفد وأنزلوا ألجيبغا وأياز من القلعة ووسطوهما وعلقت أشلاؤهما على الخشب بالحبال في البكر على وادي بردا بسوق الخيل وذلك في حادي عشري شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة . وتألم بعض الناس على ألجيبغا ورحم شبابه لأنه كان ابن تسع عشرة سنة كما بقل عذاره وطر شاربه وكان شاباً ظريفاً ممشوقاً تام الشكل حلو الوجه ظريف الحركات . وقيل : إن أياز هو الذي غره وحسن له هذا الفعل . والله يعلم حقيقة الحال .
وقلت فيه من السريع : .
لمّا بغى ألجيبُغا واعتلى ... إلى السهى في ذبح أرغون شاهْ .
قبل انسلاخ الشهر في جلّقٍ ... عُلِّق من عُرقوبه مثل شاهْ .
إلدكز صاحب أذربيجان