أبو بكر بن اسباسلار الأمير سيف الدين متولي مصر ؛ كان السلطان الملك الظاهر بيبرس يعرفه ويحترمه وكذلك بقية الأمراء الصالحية يعظمونه وكان الله تعالى قد سلطه على الصاحب بهاء الدين بن حنا وأغراه بأذاه يأتي إلى بابه من أذان الصبح وقد لبس قباءً نصافياً مصقولاً فينام على الباب وقد رشوا الماء على ذلك التراب فما ينتبه إلا والقباء قد تسود من الطين فإذا خرج الصاحب ركب قدامه فإذا صاروا بين الكيمان انفرد به وجاء إليه وشبخه وقوده وسبه ولعنه ويقول له كل قبيح . فإذا تلقاه الناس وصار في موكبه طرد الناس أمامه وقال : بسم الله مولانا الصاحب بركة الدول بسم الله ويطلع إلى القلعة فيراه الأمراء الكبار ويقولون : ما هذه الحال هذا القباء ؟ فيقول : من نصف الليل نائم على باب الصاحب حتى يخرج وأنا معه في الذل العظيم . فيمسكون الصاحب ومنهم من يعتبه ومن الأمراء من يسبه . وكان إذا بلغه أن الصاحب قد عمل طعاماً يطلع به إلى السلطان يسأل عن ذلك الطعام ويعمل مثله ويجتهد في التبكير به إلى السلطان ويدخل يقدمه ويقول : يا خوند كل منه وأخبرني أنت والأمراء ومماليكك . فيأكلون إلى أن يشبعوا ثم يأتي طعام ابن حنا فلا يصادف موقعاً . ويدخل بعد ذلك يقول : يا خوند بالله لا ترد عليه الآنية فإن هذا الصيني والله كله من مال الكارم المساكين رعيتك . ويكون ذلك الطعام في مائتي قطعة صيني مفتخرة وكان الصاحب بهاء الدين يوماً في موكبه وهو في مصر داخل فوقفت له عجوز فقالت : يا سيدي رحم الله سيدي حنا أين عينه تراك وأنت في موكب الوزارة ! .
عيني به وهو بقميص أزرق يحمل قلال الزيت الحار وينادي عليه في هذه الأزقة كأن هذا الحديث أمس . فقال الصاحب بهاء الدين : يا بو بكر ذا شغلك قبحك الله والك ارجع واستحي . توفي يوم الأحد سابع عشرين ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وست مائة وهو والي مصر واستقر عوضه اينبك الفخري وكان ضخم البدن عظيم السمن خبيراً بأمر الولاية طالت فيها مدته عشر سنين .
وللسراج الوراق فيه أمداح كثيرة منها قوله قصيدة أولها : .
لي في أظعانكم قلب مشوق ... أسأل الرفق به فهو رفيق .
لا تضيعوا حقه حاشاكم ... إنه جار وللجار حقوق .
منها : .
أترى كل محب واجداً ... ذاك أم بين المحبين فروق .
كأناس هم لانوا لهم ... تحت رق وأبو بكر عتيق .
واجد بالمال ما أن علقت ... نفسه والمرء بالمال علوق .
كلما قيل له حق له ... حفظ كفيه تقاضته الحقوق .
وقال وقد وقف على قبره : .
ناديت يا سيف فما ... أجابني إلا الصدى .
ندب سيفاً مغمداً ... في لحده مجردا .
؟ الزنكلوني الشافعي .
أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز المصري الإمام البارع المفتي مجد الدين الزنكلوني الشافعي ؛ سنكلوم من أعمال بليس - وهي بالسين المهملة والنون والكاف واللام والميم - هذا هو الصحيح وإنما الناس غيروا ذلك وقالوا : الزنكلوني . ولد سنة بضع وسبعين وست مائة وتفقه على جماعة وسمع من الأبرقوهي ومحمد بن عبد المنعم بن شهاب وعلي بن الصواف ويحيى بن أحمد الصواف وعدة ولازم الحافظ سعد الدين وسمع منه في المسند وبرع في المذهب وشارك في الأصول والعربية وأفتى ودرس وتخرج به الأصحاب وصنف التصانيف مع التقوى والعبادة والوقار والتصون . درس بجامع الحاكم وبالبيبرسية وأعاد بأماكن في الحديث والفقه وعرض عليه قضاء قوص فامتنع . ألف شرحاً للتنبيه في خمسة أسفار وشرحاً للتعجيز في ثمانية وشرحاً للمنهاج لم يطوله واختصر الكفاية لابن الرفعة وخرج له تقي الدين بن رافع مشيخة وحدث بها . أخذ عنه شمس الدين السروجي وابن القطب وأبو الخير الدهلي وآخرون . وتوفي في سابع شهر ربيع الأول سنة أربعين وسبع مائة ودفن بالقرافة وكثر التأسف عليه .
؟ الحراني الزاهد