فلقد سودت حال المملوك ببياضها وعدم من عدم الفوائد البهائية ما كان يغازله من صحيحات الجفون ومراضها وما أحق تلك الأوصال الوافدة بلا فائدة الجائدة بزيارتها التي خلت من الجود بالسلام وإن لم تخل زورتها من الإجادة أن ينشدها المملوك قول البحتري أبي عبادة : .
أخجلتني بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء .
وقطعتني بالوصل حتى أنني ... متخوف ألا يكون لقاء .
يا عجباً كيف اتخذ مولانا هذا الصامت رسولاً بعد هذه الفترة وكيف ركن إليه في إبلاغ ما في ضميره ولم يحمله من در الكلام ذرة وكيف أهدى عروس تحيته ولم يقلدها من كلامه بشذرة ما نطق هذا الوارد إلا بالعتاب مع ما نذر وندب ولا أبدى غير ما قرر من الإهمال وقرب : .
على كل حال أم عمرو جميلة ... وإن لبست خلقانها وجديدها .
وبالجملة فقد مر ذكر المملوك بالخاطر الكريم وطاف من حنوه طائف على المودة التي أصبحت كالصريم وإذا كان الشاعر قد قال : .
ويدل هجركم على ... أني خطرت ببالكم .
فكيف بمن دخل ذكره الضمير وخرج وذكر على ما فيه من عوج وما استخف بي من أمرني ومن ذكرني فما حقرني والله تعالى يديم حياته التي هي الأمان والأماني ويمتع ألفاظه الفريدة التي هي أطرب من المثالث والمثاني .
فكتب إلي الجواب عن ذلك : .
يا هاجراً من لم يزل قلبه ... إليه من دون الورى قد صبا .
أرسلت من بعد الجفا أسطراً ... أرقص منها السمع ما أطربا .
شفت فؤاداً شفه وجده ... من بعد ما قد كاد أن يذهبا .
قال لها العبد وقد أقبلت ... أهلاً وسهلاً بك يا مرحبا .
أحلها قلباً صحيح الولا ... ما كان في صحبته قلّبا .
ولا نسي عهد خليل له ... قديم عهد كان مع طقصبا .
وقبل مواقع تلك الأنامل التي يحق لها التقبيل وقابل بالإقبال تلك الفضائل المخصوصة بالتفضيل وقابلها بالثناء الذي إذا مر بالمندل الرطب جر عليه من كمائم كمه فضل المنديل وتأملها بطرف ما خلا من تصور محاسن صديق ولا أخل بما يجب من التلفت إلى مودة خليل وشاهد منها الروضة الغناء بل الدوحة الفيحاء بل الطلعة الغراء فوجدها قد تسربلت من المعاني البديعة بأحسن سربال وتحلت من المعاني البديهة بما هو أحلى في عين المحب المهجور وقلبه من طيف الخيال ؛ لكن مولانا غاب عن محبه غيبةً ما كانت في الحساب وهجره وهو من خاطره بالمحل الذي يظنه أنه إذا ناداه بالأشواق أجاب واتخذ بدعة الإعراض عن القائم بفرض الولاء سنة واشتغل عمن له عين رضى عن نسيان ما مضى كليلة دمنة فخشي المملوك من تطاول المدة وخامر قلبه تقلبات الأيام فخاف أن تبقى أسباب المقاطعة ممتدة ووثق بنما يتيقن من حسن الموافاة ويعتقد فاقتضى حكم التذكار لطف الاختصار توصلاً إلى تفقد التودد ومن عادات السادات أن تفتقد تذكر أيام حلت مسرة وهناء وليال أحلى من سواد الشباب أولت بوصال الأحباب اليد البيضاء : .
لو أن ليلات الوصال يعدن لي ... كانت لها روح المحب فداء .
فيا لها من مليحة أقبلت بعد إعراضها ولطيفة رمقت بإيماء جفن مواصلتها وإيماضها وبديعة استخرج غواص معانيها من بحار معاليها كل ذرة وصنيعة أبدى نظام لآليها من غرر أياديها أجمل غرة ورفيعة جددت السرور وشرحت الصدور فعلت بما فعلت إكليل المجرة ومتطولة رغبت المقصر فيما يختصر وحببت ومتفضلة قضت بحق تفضيلها على ما سبق وأوجبت : .
مودتها في مهجتي لا يزيلها ... بعاد ولا يبلي الزمان جديدها .
والله تعالى يشكر ما حواه من فضل هذه المعالي والمعاني ويمتع بفضائله التي تغني أغانيها عن المثالث والمثاني .
وكانت بيني وبينه محاورات ومناقضات ومعارضات ومناقشات ومنافسات ومجاراة ونظم ونثر وبدآت ومراجعات وهذه النبذة أنموذج تلك الجملة .
شرف الدين بن شمس الدين محمود .
أبو بكر بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد القاضي شرف الدين ابن القاضي شمس الدين