بهادر الأمير سيف الدين الأوشاقي الناصري المعروف بحلاوة لأنه كان إذا جاء إلى مركز البريد قال للسواق أو لأحد من غلمان البريد تأكل حلاوة ؟ فإذا قال له : نعم ضربه بالمقرعة فسمي بذلك . كان أشقر أحمر أبيض عبل البدن وكان يسوق في البريد وهو أوشاقي بالكوفية البيضاء . وكان فيه همة وقدرة على السوق فقضى أشغالاً كثيرة فقدمه السلطان ولبس الكلوتة . وكان الأمير سيف الدين تنكز يحبه ويدعوه ابني تارة بالعربي وتارة بالتركي . وكلما حضر في البريد أعطاه قباء فروقرظ مغشى بكمخا هذا على الدوام . ولم يزل كذلك إلى أن حضر طاجار الدوادار إلى تنكز وجرى ما ذكر في ترجمته عند القبض عليه وتوجه وأغرى السلطان بإمساكه فبعث السلطان بهادر هذا حلاوة إلى الأمير سيف الدين طشتمر الساقي إلى صفد وأمره بإمساكه فحضر معه إلى دمشق . ولما خرج الأمير سيف الدين تنكز معهم إلى ناحية ميدان الحصا بقي يمشي متمهلاً ولم يجسر أحد على كلامه . فقال بهادر هذا بالتركي : يا أمراء عجلوا بالمشي فقال له تنكز : أنت الآخر يا روسبي . وضربه بالمقرعة على أكتافه فلما قبض عليه وقيد أخذ سيفه وتوجه به إلى السلطان فوعده بإمرة طبلخاناه . ولما حضر الأمير علاء الدين الطنبغا إلى نيابة دمشق تأمر بهادر هذا طبلخاناه ورسم له السلطان بأن يكون مقدم البريدية بالشام فأقام على ذلك مدة . ثم إن الأمير علاء الدين الطنبغا ولاه بر دمشق فأقام به مدة وخدم الأمير سيف الدين قطلو بغا الفخري أتم خدمة لما أقام على خان لاجين . ولم يزل على ذلك إلى أن توجه السلطان الملك الناصر أحمد إلى مصر . فقطع خبزه ثم أعيد إليه . ولما ورد الأمير علاء الدين أيدغمش إلى نيابة دمشق خرج إقطاع للبهادر أيضاً لأحد أولاده ثم أعيد له إقطاع آخر بالإمرة . وأقام متولي البر إلى أن حضر الأمير سيف الدين طقزتمر إلى نيابة دمشق فورد مرسوم السلطان الملك الصالح بنقلته إلى أمراء حلب فتوجه إليها وأقام بها من جملة الأمراء مدة تقارب الأربعة أشهر أو ما يزيد عليها . وتوفي في ثالث عشر صفر سنة أربع وأربعين وسبع مائة وكان له همة وفيه مروءة .
بهرام شاه .
الملك الأمجد .
بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب السلطان الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر صاحب بعلبك ؛ ولي بعلبك خمسين سنة بعد أبيه وكان أديباً فاضلاً شاعراً جواداً ممدحاً له ديوان شعر موجود . أخذت منه بعلبك سنة سبع وعشرين وست مائة وملكها الأشرف موسى وسلمها إلى أخيه الصالح فقدم الأمجد إلى دمشق وأقام بها قليلاً وقتله مملوك له مليح . ودفن بتربة والده على الشرف الشمالي في شهر شوال سنة ثمان وعشرين وست مائة . وحصره الأشرف موسى وأعانه صاحب حمص أسد الدين شيركوه فلما قدم دمشق اتفق أنه كان له غلام محبوس في خزانة في الدار فجلس ليلة يلهو بالنرد فولع الغلام برزة الباب ففكها وهجم على الأمجد فقتله ثاني وعشرين شوال وهرب الغلام ورمى بنفسه من السطح فمات وقيل : لحقه المماليك عند وقعته فقطعوه . ويقال إنه رآه بعض أصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك فقال : .
كنت من ذنبي على وجل ... زال عني ذلك الوجل .
أمنت نفسي بوائقها ... عشت لما مت يا رجل .
ومن شعر الملك الأمجد قوله والصحيح إنها لغيره : .
طلبت بماء في إناء فجاءني ... غلام بها صرفاً فأوسعته زجرا .
فقال هي الماء القراح وإنما ... تجلى لها خدي فأوهمك الخمرا .
وكتب إليه الشيخ تاج الدين الكندي : .
لا تضجرنكم كتبي وإن كثرت ... فإن شوقي أضعاف الذي فيها .
والله لو ملكت كفي مسالمة ... من الليالي التي حظي يحاكيها .
لما تصرم لي في غير داركم ... عمر ولا مت إلا في نواحيها .
فكتب إليه الملك الأمجد الجواب : .
إنا لتتحفنا بالأنس كتبكم ... وإن بعدتم فإن الشوق يدنيها .
وكيف نضجر منها وهي مذهبة ... من وحشة البين لوعات نعانيها .
فإن وصفتم لنا فيها اشتياقكم ... فعندنا منكم أضعاف ما فيها .
سلوا نسيم الصبا يهدي تحيتنا ... إليكم فهو يدري كيف يهديها .
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال : أنشدني لنفسه :