ومنها قوله : إن المعرفة متولدة من النظر وهو لا فاعل له كسائر المتولدات . ومنها قوله في تحسين العقل وتقبيحه وإيجاب المعرفة قبل ورود السمع مثل أصحابه غير أنه زاد عليهم فقال : من الكفار من لا يعلم خالقه وهو معذور .
وقال : إن المعارف كلها ضرورية وإن من لم يضطر إلى معرفة الله تعالى فهو مسخر للعباد كالحيوان .
ومنها قوله : لا فعل للإنسان إلا الإرادة وما عداها فهو حدث لا محدث له .
وحكى ابن الريوندي عنه أنه قال : العالم فعل الله بطباعه قال الشهرستاني : ولعله أراد بذلك ما تريده الفلاسفة من الإيجاب بالذات دون الإيجاد على مقتضى الإرادة ولكن يلزمه على اعتقاده ذلك ما يلزم الفلاسفة من القول بقدم العالم إذ الموجب لا ينفك عن الموجب .
وكان ثمامة في زمن المأمون وكان عنده بمكان .
ثوبان .
ثوبان مولى النبي .
ثوبان بن بجدد هو أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن وقيل في أبيه جحدر .
وثوبان مولى رسول الله ص2 ، سبي من نواحي الحجاز وقيل إنه من حمير وقيل إنه حكمي من حكم به سعد العشيرة اشتراه رسول الله A وأعتقه ولم يزل معه سفراً وحضراً إلى أن توفي النبي A فخرج إلى الشام ونزل الرملة ثم انتقل إلى حمص وتوفي بها سنة أربع وخمسين .
وروى عنه شداد ابن أوس وجبير بن نفير وأبو الأشعث الصنعاني ومعدان بن طلحة وأبو إدريس الخولاني وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة .
الفيض ذو النون المصري .
ثوبان بن إبراهيم وقيل الفيض بن إبراهيم المصري المعروف بذي النون المصري الصالح المشهور أحد رجال الطريقة كان أوحد وقته علماً وورعاً وحالاً وأدباً وهو معدود في جملة من روى الموطأ عن الإمام مالك .
كان أبوه نوبياً وقيل من أهل إخميم مولىً لقريش .
وسئل عن سبب توبته فقال : خرجت من مصر لبعض القرى فنمت في الطريق في بعض الصحارى ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان إحداهما ذهب والأخرى فضة وفي إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء فجعلت تأكل من هذه وتشرب من هذه فقلت : حسبي قد تبت ولزمت الباب إلى أن قبلني .
وكان قد سعوا به إلى المتوكل فاستحضره من مصر فلما دخل عليه وعظه فبكى المتوكل ورده مكرماً وكان المتوكل إذا ذكر أهل الورع بين يديه يبكي ويقول : إذا ذكر أهل الورع فحي هلا بذي النون : وكان رجلاً نحيفاً تعلوه حمرة ليس بأبيض اللحية .
وشيخه في الطريقة شقران العابد .
ومن كلامه : إذا صحت المناجاة بالقلوب استراحت الجوارح .
وقال إسحاق بن إبراهيم السرخسي : بمكة سمعت ذا النون يقول وفي يده الغل وفي رجليه القيد وهو يساق إلى المطبق والناس يبكون حوله وهو يقول : هذا من مواهب الله ومن عطاياه وكل فعاله عذب حسن طيب وأنشد : - من الخفيف - .
لك من قلبي المكان المصون ... كل لومٍ علي فيك يهون .
لك عزم بأن أكون قتيلاً ... فيك والصبر عنك ما لا يكون .
قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان C تعالى : وقفت في بعض المجاميع على شئ من أخبار ذي النون المصري C فقال : إن بعض الفقراء من تلامذته فارقه من مصر وقدم بغداد فحضر بها سماعاً فلما طاب القوم وتواجدوا أنشد المغني أبيات ابن التعاويذي : - من البسيط - .
سقاك سارٍ من الوسمي هتان .
إلى أن قال منها : .
بين السيوف وعينيه مشاركة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان .
قام ذلك الفقير ودار واستمع وصرخ ووقع فحركوه فوجدوه ميتاً فوصل خبره إلى شيخه ذي النون فقال لأصحابه : تجهزوا حتى نمشي إلى بغداد فلما فرغوا من أشغالهم خرجوا إليها فقدموا عليها وساعة قدومهم البلد قال : ائتوني بذلك المغني فأحضروه إليه فأله عن قصته مع ذلك الفقير فقص عليه قصته فقال له : أنشد ذلك الشعر وشرع هو وجماعته في الغناء بذلك الشعر فلما ذكر البيت فعند ابتدائه صرخ الشيخ على ذلك المغني فوقع ميتاً فقال الشيخ : قتيل بقتيل أخذنا ثأر صاحبنا ثم أخذ في التجهز والرجوع إلى الديار المصرية ولم يلبث ببغداد وعاد من فوره .
وتوفي ذو النون في ذي القعدة سنة خمس وأربعين - وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان وأربعين