وفوق سرير الملك من آل صالح ... فتىً ولدته أمه ليلة القدر .
فتى وجهه أبهى من البدر منظراً ... وأخلاقه أشهى من الماء والخمر .
منها : من الطويل .
أبا صالح أشكو إليك نوائباً ... عرتني كما يشكو النبات إلى القطر .
لتنظر نحوي نظرةً لو نظرتها ... إلى الصخر فجرت العيون من الصخر .
منها : من الطويل .
وفي الدار خلفي صبيةٌ قد تركتهم ... يطلون إطلال الفراخ من الوكر .
جنيت على روحي بروحي جنايةً ... فأثقلت ظهري بالذي خف من ظهري .
فهب هبة يبقى عليك ثناءها ... بقاء النجوم الطالعات التي تسري .
قال أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ : فلما فرغ من إنشادها أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود وأشهد على نفسه بتمليك ابن أبي حصينة ضيعتين من ملكه لهما ارتفاعٌ كبيرٌ وأجازه وأحسن إليه فأثرى وتمول .
ومن شعر ابن أبي حصينة : من الطويل .
ولما وقفنا للوداع وقلبها ... وقلبي يبثان الصبابة والوجدا .
بكت لؤلؤا رطبا وفاضت مدامعي ... عقيقاً فصار الكل في نحرها عقدا .
ومنه : من الكامل .
ما بال شمس الحي ذات شماسٍ ... لما رأت وضح المشيب براسي .
يا هذه لو كنت جد شفيقةٍ ... لرثيت لي مما أبيت أقاسي .
لكن فؤادك مثل فودك فاحمٌ ... وكذاك قلبك مثل قلبك قاس .
ومنه : من الطويل .
أما والذي حج الملبون بيته ... فمن ساجدٍ لله فيه وراكع .
لقد جرعتني كأس بينٍ مريرةً ... من البعد سلمى بين تلك الأجارع .
وحلت بأكناف الغضا فكأنما ... حشت ناره بين الحشا والأضالع .
ولما امتدح أبو الفتح بن أبي حصينة نصر بن صالحٍ بحلب قال له : تمن فقال : أتمنى أن أكون أميراً . فجعله أميراً يجلس مع الأمراء ويخاطب بالأمير وقربه وصار يحضر مجلسه في زمرة الأمراء . ثم وهبه أيضاً مكاناً بحلب قبلي حمام الواساني فعمرها داراً وزخرفها وعرضها وتمم بنيانها وكمل حالها ونقش على دائر الدرابزين : من السريع .
دارٌ بنيناها وعشنا بها ... في دعةٍ من آل مرداس .
قومٌ محوا بؤسي ولم يتركوا ... علي في الأيام من باس .
قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليفعل الناس مع الناس .
ولما تكامل عمل الدار عمل دعوةً وأحضر إليها نصر بن صالح فلما أكل الطعام ورأى حسن بناء الدار ونقوشها وقرأ الأبيات ؛ قال : يا أمير كم خسرت على بناء الدار ؟ فقال : يا مولانا ما لي علم ؛ بل هذا الرجل تولى عمارتها . فسأل ذلك المعمار ؛ فقال : غرم عليها ألفي دينارٍ مصرية . فأحضر له من ساعته ألفي دينار مصرية وثوب أطلسٍ وعمامةً مذهبةً وحصاناً بطوق ذهب وسحب ذهب وسرفسار ذهب ؛ وقال له : من السريع .
قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليفعل الناس مع الناس .
وبعد أيام حضر رجلٌ من أهل المعرة ينبز بالزقوم كان من أراذلها وفيه رجلة فطلب خبز جندي فأعطي ذلك وجعل من أجناد المعرة فلما وصل نظم أحمد بن محمد الدويدة المعري : من الكامل .
أهل المعرة تحت أقبح خطة ... وبهم أناخ الخطب وهو جسيم .
لم يكفهم تأمير ابن حصينةٍ ... حتى تجند بعده الزقوم .
يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا ... يا قوم أين الترك أين الروم .
فاشتهرت الأبيات بالمعرة وحلب . فسمعها الأمير أبو الفتح فعبر على باب ابن الدويدة وسلم عليه وقال له : ويلك يا ابن الدويدة هجوتني والله ما بي من هجوي مثل ما بي كونك قرنتني إلى الزقوم فضحك ابن الدويدة وقال : الآن والله كان عندي الزقوم وقال : والله ما بي من الهجو ما بي من كونك قرنتني بابن أبي حصينة . فقال له : قبحك الله وهذا هجو ثانٍ .
وهذا الأمير أبو الفتح شاعر وولده الأمير أبو الذواد المفرج بن الحسن شاعرٌ أيضاً وسيأتي ذكره في حرف الميم في مكانه إن شاء الله تعالى .
النخعي .
الحسن بن عبد الله النخعي وثقه النسائي وروى له مسلم والأربعة . وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائة .
العرني الكوفي