أقمت على عهد الصَّفاء ولم تخن ... ومثلك من يرعى مواثيق عهده .
جفاني أخلاّئي الذين ألفتهم ... وأنت خليل سرَّتي حفظ ودِّه .
إليك صلاح الدين أهدي على النَّوى ... تحية صبٍّ ضاق صدراً لبعده .
فإن كان يلقاك النسيم معنبراً ... فإنّ سلامي فيه فاسمح بردّه .
وكتبت إليه وقد ورد من القدس الشريف إلى دمشق في سنة تسعٍ وثلاثين وسبع مائة : من الوافر .
أتيت إلى دمشق وقد تشكَّت ... إليك لطول بعدٍ وانتزاح .
وكانت بعد بعدك في فسادٍ ... وجئت لها ففازت بالصلاح .
وقد أجاز لي كل ما يجوز له تسميعه ويكتب في الاستدعاء بيتاً مفرداً حسناً وهو : من الطويل .
أجازهم المسؤول فيه بشرطه ... خليل بن كيكلدي العلائي كاتبه .
وهو مثل ما أكتب أنا أيضاً : من المنسرح .
أجاز للسّائلين ما سألوا ... فيه خليل بن أيبك الصّفدي .
وكتب هو إليّ لغزاً في قفل نظماً ونثراً مطوّلاً وأجبته عنه بمثله . وقد سقت الأصل والجواب في كتابي : ألحان السَّواجع بين البادي والراجع . وكتبت له عدة تواقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف منها ما كتبته له عن السّلطان الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر في سنة خمسٍ وأربعين وسبع مائة لما كنت بالقاهرة ولم تحضرني نسخته عند تعليق هذه الترجمة ومنها أول توقيع كتبته له بدمشق سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة وهو : رسم بالأمر العالي لا زالت أوامره المطاعة تهدي إلى الأماكن الشريفة صلاحاً وترفع قدر من إذا خطا في طلب العلم الشريف تضع له الملائكة جناحاً أن يرتب المجلس السامي الفلاني مدرساً بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف أثاب الله واقفها لما اتصف به من العلوم التي أتقنها حفظاً وطرَّز بإيرادها المحافل فراقت في القلوب معنىً وفي الأسماع لفظاً فهو الحبر الذي يفوق البحر بغزارة موادّه . والعالم الذي أصبح دم الشهداء بأزاء مداده . إن نقل حكماً فما المزني إلا قطرة في هتانه أو رجَّح قولاً فما ابن سريجٍ إذا جاراه من خيل ميدانه أو ناظر خصماً فما ابن الخطيب ممن يعد في أقرانه أو استدلّ محتجَاً فما يقطع السيف إلا بدليله وبرهانه فالماوردي حاوي مناقبه وذكره وأبو إسحق صاحب التنبيه على رفعة قدره ومحله قد أضحت به وجوه الأصحاب سافرةً عن الحسن البارع والمنظر الجميل وأمست طرق المذهب بدروسه واضحة الإمارة راجحة الدليل . ولذلك ندب لنشر العلم الشريف بذلك القطر الجليل واستحق لفضله الأقصى أن تكون حضرة القدس مقام الخليل فليورد من فضله الباهر هناك ما يحيي مذهب ابن إدريس بدرسه وينشر ميت العلم حتى يكون روحاً في قدسه وليتعهد الطلبة بالحفظ والبحث فإنهما للعلم كالجناحين وليقف عند ما شرطه الواقف أثابه الله الجنة . فما يفسد أمر وقع بين صلاحين وتقوى الله D زينة العلم فليجعلها طراز لبسه وجمال العلم فليدخرها في الخير على أمسه والله تعالى يزيده فضلاً إلى فضله وينشر به أعلام العلم التي تخفق على رؤوس أهله بمنِّه وكرمه إن شاء الله تعالى .
أبو الجيش بن طولون .
خمارويه بن أحمد أبو الجيش الأمير ابن الأمير الطولوني . ولي إمرة دمشق ومصر والثغور بعد أبيه . وكان جواداً ممدَّحاً ولد سنة خمسين ومائتين وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين . وكان مسرفاً في الإنفاق غنَّى له مغنٍّ بمرج عذراء قول الشاعر : من الرجز .
قد قلت لما هاج قلبي الذكرى ... واعترضت وسط السَّما الشِّعرى .
ما أطيب العيش بسرَّ مرَّى