تفكر أين تعمدني فتقطو ... كأن برجلها قيد الشكال .
وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال .
فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين حديثهم مما يوالي .
وتذعر للدجاجة أن تراها ... وتنفر للصفير وللخيال .
فأما الاعتلاف فأدن منها ... من الأتبان أمثال الجبال .
وأما القت فأت بألف وقر ... كأعظم حمل أحمال الجمال .
فلست بعالف منه ثلاثاً ... وعندك منه عود للخلال .
وإن عطشت فأوردها دجيلاً ... إذا أوردت أو نهري بلال .
فذاك لربها سقيت حميماً ... وإن مد الفرات فللنهال .
وكانت قارحاً أيام كسرى ... وتذكر تبعاً عند الفصال .
وقد دبرت ونعمان صبي ... وقبل فصاله تلك الليالي .
وتذكر إذ نشا بهرام جور ... وعامله على خرج الجوالي .
وقد مرت بقرن بعد قرن ... وآخر عهدها لهلاك مالي .
فأبدلني بها يا رب طرفاً ... يزين جمال مركبه جمالي .
زنكي .
صاحب الموصل .
زنكي بن آقسنقر بن عبد الله الملك المنصور عماد الدين أبو الجود المعروف والده بالحاجب .
كان صاحب الموصل وتقدم ذكر أبيه كان من الأمراء المقدمين وفوض إليه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي ولاية بغداد سنة إحدى وعشرين وخمس مائة .
وكان لما قتل آقسنقر البرسقي ورد مرسوم السلطان من خراسان بتسليم الموصل إلى دبيس بن صدقة الأسدي صاحب الحلة وقد تقدم فتجهز دبيس للمسير وكان بالموصل أمير كبير يعرف بالجاولي يستحفظ قلعة الموصل ويتولاها من جهة البرسقي .
فطمع في البلاد وحدثته نفسه بتمليكها .
فأرسل إلى بغداد أبا الحسن علي بن القاسم الشهرزوري وصلاح الدين محمداً اليغيساني لتقرير قاعدته . فلما وصلا إليها وجدا المسترشد قد أنكر تولية دبيس وقال : لا سبيل إلى هذا وترددت الرسائل بينه وبين السلطان محمود . وآخر ما وقع الاختيار عليه تولية زنكي المذكور باختيار المسترشد . فاستدعى الرسولين الواصلين من الموصل وقرر معهما أن يكون الحديث في البلاد لزنكي ففعلا ذلك .
وبذل المسترشد من ماله مائة ألف دينار فبطل أمر دبيس وتوجه زنكي إلى الموصل وتسلمها . ودخل في عاشر رمضان سنة إحدى وعشرين وخمس مائة على ما ذكره ابن العقيمي .
ولما تسلم زنكي الموصل سلم إليه السلطان محمود ولديه ألب رسلان وفروخ شاه المعروف بالخفاجي ليربيهما . فلهذا قيل لزنكي أتابك . ثم إن زنكي استولى على ما والى الموصل من البلاد . وفتح الرها سنة تسع وثلاثين وخمس مائة وكانت لجوسلين الأرمني . وتوجه إلى قلعة جعبر . ومالكها يومئذ سيف الدولة أبو الحسن علي بن مالك فحاصرها وأشرف على أخذها فأصبح يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمس مائة مقتولاً قتله خادمه وهو راقد على فراشه ليلاً . ودفن بصفين C تعالى . وسار ولده نور الدين فاستولى على حلب . واستولى ولده الآخر سيف الدين غازي أخو قطب الدين مودود على الموصل . وكان زنكي قد استرد من الفرنج حصوناً كثيرة مثل كفر طاب والمعرة . وملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك ومدائن كثيرة .
وقال الرئيس أبو يعلى التميمي يرثي C بقصيدة منها : من الطويل .
ودانت ولاة الأرض فيها لأمره ... وقد آمنته كتبه وخواتمه .
وزاد على الأملاك بأساً وسطوة ... ولم يبق في الأملاك ملك يقومه .
فلما تناهى ملكه وجلاله ... وراعت ولاة الأرض منه لوائمه .
أتاه قضاء لا ترد سهامه ... فلم تنجه أمواله ومغانمه .
وأدركه للحين فيها حمامه ... وحامت عليه بالمنون حوائمه .
وأضحى على ظهر الفراش مجدلاً ... صريعاً تولى ذبحه فيه خادمه .
وقال الحكيم أبو المغربي يرثيه : من الخفيف .
عين لا تذخري الدموع وابكي ... واستهلي دمعاً على فقد زنكي .
لم يهب شخصه الردى بعد أن كا ... نت له هيبة على كل تركي .
خير ملك ذي هيبة وبهاء ... وعظيم بين الأنام بزرك