وهو سعد الرابية الكوفي سُمّي الرابية بموضع كَانَ يعلّم فِيهِ النحو أخذ عن أبي الأسود الدئلي وَكَانَ مَزّاحاً مضحكاً اجتمعت بنو راسب والطُفاوة إلى زياد بن أبيه فِي مولد فقال سعد الرابية : أيها الأمير يُلقى هَذَا المولد فِي الماء فإن رسب فهو من راسب وإن طفا فهو طفاوة فأخذ زياد نعله وقام ضاحكاً وقال : ألم أنهك عن الهزل فِي مجلسي ؟ وفيه يقول الفرزدق من البسيط : .
إني لأُبْغضُ سَعْداً أنْ أجاوِرَهُ ... ولا أُحبّ بني عمرو بن يَربوعِ .
قومٌ إذا غضبوا لَمْ يَخْشَهم أحدٌ ... والجارُ فيهم ذَليلٌ غيرُ مَمْنوعِ .
وَكَانَ عبيد الله بن زياد يستظرفه وبقرّبه فأبطأ عن صلته أشهراً فقال يوماً عبيد الله : مَا أحوجني إلى وًصفاء لهم حلاوة وقدود ورشاقة يقومون عَلَى رأسي ويلوثون ثوبي فقال سعد : حاجتك عندي أيّها الأمير ! .
وعمد إلى أصلح من قدر عَلَيْهِ من الغلمان الذين عنده فِي مكتبه فألبسهم ثياب الوصفاء وأتى من قدر عَلَيْهِ من الغلمان الذين عنده فِي مكتبه فألبسهم ثياب الوصفاء وأتى بهم فأُعجب بهم عبيد الله واشتراهم وغالى بهم ومضى سعد فاختفى عند بعض أصحابه فلما جاء الليل بكر الصبيان فقال عبيد الله : أيّ شيء تريدون ؟ فقال كلّ منهم : نريد بيتنا ! .
فقال : وأين بيتكم ؟ فقالوا : فِي موضع كذا وكذا وأنا ابن فلان وهذا ابن فلان ففطن عبيد الله أنهّا حيلة وسخرية وأنه أخذ المال باطلاً فوضع عَلَيْهِ الرصد فلمّا جيء بِهِ قال : مَا حملك عَلَى مَا فعلت ؟ قال : أبطأت صلتك عنّي وقطعتني مَا عوّدْتني ! .
فضحك منه وترك المال لَهُ .
الحيص بيص .
سعد بن محمّد بن سعد بن صيفي شهاب الدين التميمي المعروف بحيص بيص أبو الفوارس . وَكَانَ فقيهاً شافعي المذهب تَفَقَه بالريّ عَلَى القاضي محمّد بن عبد الكريم الوزان وتكلم فِي الخلافة إلاّ أنه غلب عَلَيْهِ الأدب والنطم وأجاد فِيهِ وَلَهُ رسائل بليغة أثنى عَلَيْهِ أبو سعد السمعاني فِي الذيل وحدّث بشيء من مسموعاته وقُرئ عَلَيْهِ ديوانه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كبيراً من أخبر الناس بأشعار العرب ولقائهم وَكَانَ فِيهِ نيه وتعاظم ولا يخاطب الناس إلاّ بالكلام العربي وَكَانَتْ لَهُ حوالة بمدينة الحلّة فتوجّه إليها وَكَانَتْ عَلَى ضامن الحلقة فسيرّ غلامه إليه فلم يعرّج عَلَيْهِ وشتم أستاذه فشكاه إلى والي الحلّة وَكَانَ يومئذ ضياء الدين مهلهل بن أبي العسكر الجاواني فسيرّ معه بعض غلمان الباب ليساعده فلم يقنع أبو الفوارس منه بذلك . فكتب إليه يعاتبه وَكَانَتْ بينهما مودّة : مَا كنتُ أحسب أنّ صحبه السنين ومودّتها يكون مقدارها فِي النفوس هَذَا المقدار بل كنت أظنّ أنّ الخميس الجحفل لو زل عرضاً لقام بنصري من آل أبي العسكر حماة غلب الرقاب فكيف بعامل سُوَيقةٍ وضامنِ حُلَيلةٍ ويكون جوابي فِي شكواي أن يُنفَّذ إليه خويدمٌ يعاتبه وبأخذ مَا قبله من الحق لا والله : من البسيط : .
إنّ الأُسُودَ الغاب همّتها ... يوم الكريمة فِي المسلوب لا السلبِ .
وبالله أقسم ونبيه وآل بيته لئن لَمْ نُعِمْ لي حُرْمةً تتحدَّثُ بِهَا نساء الحلّة فِي أعراسهن ومناجاتهنّ لا أقام وليّك بحلّتك هَذِهِ ولو أمسى بالجسر أو بالقناطر ! .
! .
هبني خسرت حمر النعم أفأخسر أبيّتي واذلاّه واذلاّه ! .
والسلام .
وَكَانَ يلبس زيّ العرب ويتقلّد سيف ويحمل خلفه الرمح ويأخذ نفسه بمأخذ الأمراء ويتبادى فِي كلامه فقال فِيهِ أبو القاسم بن الفضل وقيل : الرئيس عليّ بن الأعرابي من الخفيف : .
كم تُبادِي وكم تُطَوْل طرطو ... رَكَ مَا فيك شَعرةٌ من تميمِ .
فَكُلِ الضّبَّ واقرض الحنظَلَ الآخ ... ضّرَ واشْرَب مَا شئتَ بول الظليمِ .
لَيْسَ ذا وجه من يضيف ولا يق ... ري ولا يدفع الأذى عن حريمِ .
فلمّا بلغت الأبيات أبا الفوارس قال : من الخفيف : .
لا تَضَعْ من عظيمِ قدرٍ وإن كن ... ت مُشاراً إليه بالتعْظيمِ .
فالشريف الكريم بنقص قدراً ... بالتجرّي عَلَى الشريف الكريمِ .
وَلَعُ الخمر بالعُقولِ رمى الخم ... رَ بتنجيسها وبالتحريمِ .
وعمل فِيهِ خطيب الحُويرة البحيري من الكامل :