وإذا مَا رُمْتُ سَعْياً خانَنِي ... عَظْمُ ساقٍ ورِباطٌ وَوَتَرْ .
تُرْعَشُ الأَقدامُ منّي وأنا ... من صُعُودي وحُدوري فِي خَطَرْ .
وَإذا اسْتَنْجَدْتُ عَزْمي قال لي ... عِنْدَما أدْعُوهُ كَلاَّ لا وَزَرْ .
قال ابن ظافر : أخبرني الشريف أبو البركات العبّاس بن محمّد العبّاسي الحلبي قال : كنت ليلةً مع جماعة من أصحابنا بحلب عند رجل من أهلها يعرف باللطيف السرّاج ومعنا سعيد الحريري الشاعر الحلبي وَكَانَ سعيد هَذَا يعشق غلاماً للأمير ابن كلج يُسَمَّى البقش وَكَانَ قَدْ وعده تِلْكَ الليلة أن يصير إليه فراح من عندنا فلما كَانَ بعد ساعة وافت منه إلى اللطيف قطعة يصف فِيهَا مَا جرى لَهُ معه وذكر أنّه صنعها بديهةً : وهي من البسيط : .
قُل لِلَّطيفِ كُفِينَا مَا نُحاذِرُهُ ... فِي مجده وأمِنّا مَا عَلَيْهِ خَشِي .
وَعَاشَ كُلُّ وَدودٍ مِنْ صَنَائِعِهِ ... فيِ ظِلِّ دَانِيَةٍ مَمْدَودو العُرُشِ .
عَليُّ يَا ذا المًعالي نْمِتَ عَنْ قَمَرٍ ... نادَمْتُهُ خِلْسَةً فِي الغَيْهَبِ الغَطِشِ .
فِي لَيْلَةٍ جَمَعَتْ شَمْلي بِهِ غَلَطاً ... فِي مجلِسٍ كُنتُ قاضي حُكْمِهِ الجَرَشي .
فَلَوْ تَرَاني وكأس الراحِ فِي يديّ ال ... يُمنَى ويسرايّ فِي دَبْوقةِ البَقَشِ .
لَكُنْتَ تَعْجَبُ مِنْ صَفْراءَ صَافيةٍ ... دِرياقها جَسَّرَ الحاوي عَلَى الخَنَشِ .
والراح قَدْ رَاحَهُ سُلطانُ سَوْرَتها ... فَمَدَّ خَوفاً إليها كَفَّ مُرتَعِشِ .
وجَمّشَتْهُ حُمَيّاها ومال بِهِ ... يُكرٌ فَقَبَّلتُ خَدّاً بالعِذارِ وُشِي .
فَاَيُّ مَكْرُمَةٍ للراحِ إذ جَعَلَتْ ... مَنْ كانَ مُفْتَرِسي باللحظ مُفْتَرِشي .
لكِنْ بُلِيتُ بِعُضْوٍ نامَ عن أرَقي ... وكُنتُ أَعْهَدُه كالأَرْقَمِ الرَقَشي .
فظِلْتُ أعتِبُه طَوْراً وأعْذُلُهُ ... وَسَمْعُهُ قَدْ رَمَاهُ اللهُ بالطَرّشِ .
وَاحتَوِي بالرُقى مَصْرُوعَةً وأبَى ... أنْ يَستَفِيقَ من الإغْماءِ مُنْذُ غُشي .
والجرَشي الَّذِي ذكره رجل من أهل حلب قلت : كذا قال ابن ظافر وأنا أظنّ هَذَا الشاعر هو هَذَا سعيد بن عليّ بن لؤلؤ والله أعلم .
رشيد الدين البَصروي .
سعيد بن عليّ بن سَعيد العلاّمة رشيد الدين أبو محمّد البصروي الحنفي مدّرس الشبليّة . كَانَ إماماً مفتياً مدرّساً بصيراً بالمذهب جيّد العربيّة متين الديانة شديد الورع عُرض عَلَيْهِ القضاء أو ذُكر لَهُ فامتنع قال شمس الدين ابن أبي الفتح : لَمْ يخلّف الرشيد سعيد بعده مثله فِي المذهب وَكَانَ خبيراً بالنحو وكتب عنه أبو الخبّاز البرزالي وتوفيّ سنة أربع وثمانين وست مائة . ومن شعره من الكامل : .
إستَجْرِ دَمْعَكَ مَا استطَعْتَ مَعينا ... فَعَسَاهُ يَمْحُو مَا عَييْتَ سنِينَا .
أنَسِيتَ أيّامَ البِكالةَ والهَوَى ... أيّامَ كُنْتَ لَدَى الضَلالِ قَرِينَا .
ومنه من الطويل : .
ألا أيهُّا الساعي عَلَى سنَنِ الهَوَى ... رُوَيدّكَ آمالُ النُفوسِ غُرورُ .
أتَدْري إذا حانَ الرَحيلُ وقُرِّبَتْ ... مطَايا المَنايا مِنْكَ أيْنَ تَسيرُ .
أَطَعْتَ دَوَاعِي اللَهْوِ فيِ سَكْرَةِ الصِبّى ... أمَالك مِن شَيْبِ العِذار نَذيرُ .
كأنِّي بأيّام الحَياةِ قَد انقَضَتْ ... وَإنْ طَالَ هَذَا العُمرُ فَهوَ قَصيرُ .
وَفَاجَاكَ مرتاد الحِمامِ وَيَا لَها ... زِيارَةُ مَن لا تَشتَهِيهِ يَزورُ .
وأصبْحَتَ مَصْرُوعَ السَقام مُعَلَّلاً ... يَقولُونَ داءٌ قَد ألَمَّ يَسيرُ .
وَهَيْهَات بَلْ خَطبٌ عَظِيمٌ وَبَعْدَهُ ... عَظائِمُ مِنها الراسِياتُ تُمورُ .
وَلمّا تَيَفّنْتَ الرَحيلَ وَلَمْ يَكُنْ ... لَدَيك عَلَىَ مَا قَدْ أتاكَ نَثيرُ