وقال سفيان : خلاف مَا بيننا وبين المرجئة ثلاث ؛ يقولون : الإيمان قول بلا عمل ويقولون الإيمان لا يزيد ولا ينقص ويقولون : لا نِفاق . وقال : من كره أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى فهو عندنا مرجئ ! .
وقال : امتنعنا من الرافضة أن نذكر فضائل عليّ ! .
وقال : الجهميّة كفّار ! .
وقال : لا تنتفع بما كتبت حتّى يكون إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم فِي الصلاة أفضل عندك من الجهر ! .
وقال : الملائكة حرّاس السماء وأصحاب الحديث حرّاس . وقال محمّد بن عبد الله بن نمير : خاف الثوري عَلَى نفسه من الحديث لأنه كَانَ يحدّث عن الضعفاء فإنَّه قال : مَا أخاف عَلَى نفسي أنْ يُدخلني النار إلاّ الحديث . وقال : فتنة الحديث أشدّ من فتنة الذهب . قال أبو نعيم : رأيت سفيانّ ضحك حتّى استلقى واحتاج بمكّة حَتَّى استفّ الرمل ثلاثة أيّام . وعن عليّ بن ثابت قال : رأيت سفيان فقوّمتُ مَا عَلَيْهِ درهماً وأربعة دوانيق . وقال عبد الرزّاق : رأيتُ الثّوريّ بمكّة جالساً يأكلُ فِي السوق . وقال أحمد بن حنبل : كَانَ سفيان إذا قيل لَهُ أنّه رُئي فِي المنام قال : أنا أعْرَفُ بنفسي من أصحاب المنامات . وآخر ثقة روى عنه عليّ بن الجعد وروى لَهُ الجماعة . وذكر المسعودي فِي مروج الذهب قال القعقاع ابن حكيم : كنت عند المهدي وأُتي بسفيان الثوري فلمّا دخل سلّم تسليم العامّة وَلَمْ يسلّم بالخلافة والربيع قائم عَلَى رأسه متّكئاً عَلَى سيفه يرقب أمره . فأقبل عَلَيْهِ المدي بوجه طلق وقال لَهُ : يَا سفيان تفرّ منّا ههنا وههنا وتظنّ لو أردناك بسوء لَمْ نقدر عليك ؟ فقد قدرنا عَلَيْكَ الآن أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا ؟ فقال سفيان : إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بَيْنَ الحقّ والباطل ! .
فقال الربيع : يَا أمير المؤمنين ! .
ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هَذَا ؟ ايذن لي أن أضرب عنقهُ ! .
فقال لَهُ المهدي : اسكت ويلك ! .
وهل يريد هَذَا وأمثالهُ أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم ؟ اكتبوا عهده عَلَى قضاء الكوفة عَلَى أن لا يُعترض عَلَيْهِ ! .
فكتب عهده ودفع إليه فأخذه وخرج فرمى بِهِ فِي دجلة وهرب فطُلب فِي كلّ بلد فلم يوجد . ولمّا امتنع من قضاء الكوفة وتولاّه شريك بن الله النخعي قال الشاعر من الطويل : .
تَحَرَّزَ سُفْيانٌ وَفَرَّ بِدِينِهِ ... وَأَمْسَى شريكٌ مُرصِداً للدَّراهِمِ .
أبو محمّد الكوفي .
سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي مولى امرأة من بني هلال ابن عامر وقيل مولى بني هاشم وقيل مولى الضحاك وقيل مولى مسعر بن كدام لأبو محمّد الكوفي ثُمَّ المكّي الإمام شيخ الإسلام . مولده سنة سبع ومائة فِي نصف شعبان ووفاته سنة ثمان وتسعين ومائة . طلب الحديث وهو غلام ولقي الكبار وسمع من قاسم الرحّال سنة عشرين ومائة وسمع من الزهري وعمرو ابن دينار وزياد بن علاقة والأسود بن قيس وعاصم بن أبي النجود وأبي إسحاق وزيد بن أسلم وعبد الله بن أبي نجيح وسالم بن النضر وعبدة بن أبي لبابة وعبد الله بن دينار ومنصور بن المعتمر وسهيل بن أبي صالح وخلق كثير . وروى عنه الأعمش وابن جريج وشعبة . وهم من شيوخه وابن المبارك ابن مهدي والشافعي وابن المديني والحميدي وسعيد بن منصور ويحيى بن معين وأحمد وجماعة لا يحصون . قال الشافعي : مَا رأيت أحداً فِيهِ آلة العلم مَا فِي سفيان وَمَا رأيت أكفَّ عن الفُتْيا منه . وقال ابن وهب : لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة . وقال أحمد : مَا رأيت أعلمَ منه بالسنن . قال : رأيتُ كأنّ أسنان سقطت فذكْرتُ ذَلِكَ للزهري فقال : تموت أسنانك وتبقى أنت ! .
فماتت أسناني وبقيت أنا فجعل الله كلّ عدوّلي محدّثاً . وقال يحيى بن سعيد القطّان : اشهدوا أنّ ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة فمن سمع منه هَذِهِ السنة فسماعه لا شيء . قال الشيخ شمس الدين : أستبعِد أنا هَذَا القول فإنّ القطّان مات فِي صفر سنة ثمان وتسعين بُعيد قدوم الحجّاج بقليل وسفيان حُجّة مطلقاً بالإجماع من أرباب الصحيح وَقَدْ حجّ سفيان سبعين حجّة وَكَانَ يقول ليلة الموقف : اللهمّ لا تجعلْهُ آخر العهد منك فلمّا كَانَ عام موته لَمْ يقل ذلك وهو معروف بالتدليس لكنّه لا يدلّس إلاّ عن ثقة . وروى لَهُ الجماعة .
أبو أيمن الخولاني