أنشدني إجازةً الحافظ فتح الدين محمّد بن محمد بن محمد بن سيّد الناس العميري قال : أنشدني لنفسه الأمير علم الدين سنجر الدواداري من الوافر : .
سَلوا عن موقفي يوم الخميسِ ... وعن كرّات خيلي فِي الخميسِ .
شرِيتُ دَمَ العِدَى فرَوِيتُ منه ... فشربي منه لا خمرَ الكؤوسِ .
وجاورت الحجاز وساكنيه ... وَكَانَ البيتُ فِي ليلي أنيسي .
وأتْقنَتُ الحديثَ بكلّ قطرٍ ... سماعاً عالياً ملء الطروسِ .
أُباحث فِي الوسيط لكّ حبر ... وألْقى القوَ فِي حرّ الوطيسِ .
فكم لي من جلادٍ فِي الأعادي ... وكم لي من جدالٍ فِي الدروسِ .
علم الدين الجاولي .
سنجر الأمير علم الدين الجاولي كَانَ أوّلاً نائب الشوبك بغير عدّة . ثُمَّ إنّه نقل منها وجُعل أميراً في أيام سلاّر والجاشنكير وَكَانَ يعمل الأستاذ داريّة للسلطان الملك الناصر ويدخل إليه مع الطعام عَلَى العادة وَكَانَ يراعي مصالح السلطان ويقترّب إليه . فلمّا حضر من الكرك جهّزه إلى غزّة نائباً وإلى القدس بلد الخليل عَلَيْهِ السلام ونابلس وقاقون ولُدّ والرملة وأقطعه إقطاعاً هائلاً كَانَ إقطاع مماليكه فيها مَا يعمل عشرين ألفاً وخمسةً وعشرين ألفاً . وعمل نيابة غزّة عَلَى القالب الجائر . وَكَانَ كريم الدين الكبير يرعاه ويكتب إليه مع كلّ بريد يخرج لو أمكنه فِي كلّ يوم وَرَدَ منه إليه كتاب يستعرض فِيهِ مراسمه وخِدَمَه وكذلك فخر الدين ناظر الجُيوش وَكَانَ لَهُ إدلال عَلَى الكبار . فوقع بينه وبين الأمير سيف الدين تنكز وتراسل عَلَيْهِ هو والقاضي كريم الدين فأمر السلطان بإمساكه فاعتُقل قريباً من ثماني سنين فيما أظنّ ثُمَّ أفرَجَ عنه سنة ثمان وعشرين وسبع مائة أو تسع وعشرين وأمّره أربعين فارساً مديدةً ثمّ أمّره مائةً وقدّمه عَلَى ألف وجعله من أمراء المشور . وَلَمْ يزل عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفيّ السلطان الملك الناصر فكان هو الَّذِي تولىّ غسله ودفنه ولمّا توليّ السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر رسم لَهُ بنيابة حما فحضر إليها وأقام بِهَا مدّةً تقارب الثلاثة أشهر ثُمَّ رسم لَهُ بنيابة غزّة ثالنياً فتوجّه إليها وأقام بِهَا مدّةً قريبةً من مدّة نيابة حماه ثُمَّ طُلب إلى مَا كَانَ عَلَيْهِ بمصر فتوجّه إلى القاهرة وهو الآن بِهَا مقيم وَقَدْ أجاز لي بخطّة . وهو الَّذِي عمر الجامع ببلد الخليل عَلَيْهِ السلام وعمر بغزّة حمّاما هائلاً إلى الغاية ومدرسةً وجامعاً عديم النظير وعمر الخان للسبيل بغزّة وعمر الخان العظيم فِي قاقون وَلَهُ التربة الملحية الأنيقة الَّتِي عَلَى الكبس بالقاهرة وجدّد إلى جانبها عمارةً هائلةً وهو الَّذِي مدّن غزّة ومصرّها وبنى بِهَا البيمارستان ووقف عَلَيْهِ عن الملك الناصر أوقافاً جليلةً وجعل النظر فِيهِ لنوّاب غزّة وعمر بغزّة الميدان والقصر وبنى الخان بقرية الكتيبة وبنى القناطر بغابة أرسوف وَكَلّ عمائره ظريفة متقنة محكمة . وَقَدْ وضع شرحاً عَلَى مسند الشافعي Bه وَكَانَ آخر وقت يفتي ويخرج خطّه بالإفتاء عَلَى مذهب الشافعي . ولمّا خرج الأمير جمال الدين نائب الكرك إلى نيابة طرابلس فوّض السلطان إليه نظر الوقف والبيمارستان المنصوري . وَلَهُ حُنُوّ زائد عَلَى من يخدمه أو ينتمي إليه أو يعرفه . وهو آخر من نوجّه من مقدّمي الألوف إلى الكرك لحصار الناصر أحمد وهو الَّذِي أخذ الكرك وَلَمْ يزل عَلَى حاله إلى أن توفيّ C تعالى فِي تاسع شهر رمضان يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وسبع مائة ودفن بتربته الَّتِي بالكبش عَلَى بركة الفيل وأسند وصيّته إلى الأمير سيف الدين أرغون العلائي رأس نوبة . وَكَانَ الأمير علم الدين الجاولي قَدْ أخرج أيّام سلاّر والجاشنكير إلى الشام فأقام بدمشق . وَلَمْ يقدر سلاّر عَلَى ردّ البرجيّة عنه واشترى بدمشق تِلْكَ المرّة الدار الَّتِي هي الآن قبالة التنكزي من جهة الشمال ووقع بينه وبين تنكر بسببها .
علم الدين الحمصي