صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور ؛ كان في أول أمره فاصداً في البيمارستان ببغداد ثم إنه اشتغل بعد ذلك بصناعة الطب وتميز وصار من الأكابر . قال ابن أبو أصيبعة : نقلت من خط المختار نب الحسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال : إن أول من فطن لذلك ونبه على هذه الطريق ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها وأطرح ما سواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب فإنه أخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب ومنع المرضى من الغذاء فأنجح تدبيره وتقدم في الزمان بعد أن كان فاصداً في البيمارستان وانتهت الرياسة إليه فعول الملوك في تدبيرهم عليه فرفع عن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة ونقل تدبير المرضى إلى ماء الشعير ومياه البزور فأظهر في المداواة عجائب .
من ذلك ما حكاه لي بميافارقين الرئيس أبو يحيى ولد الرئيس أبي القاسم المغربي قال : عرض للوزير بالأنبار قولنج صعب أقام في الحمام لأجله واحتقن عدة حقن وشرب عدة شربات فلم ير صلاحاً فأنفذنا رسولاً إلى صاعد فلما جاءه ورآه على تلك الحالة ولسانه قد قصر من العطش وشرب الماء الحار والسكر وجسمه يتوقد من ملازمة الحمام ومداومة المعاجين الحارة والحقن الحادة استدعى كوز ماء مثلوج فأعطاه الوزير فتوقف في شربه ثم إنه جمع بين الشهوة وترك المخالفة وشربه فقويت في الحال نفسه ثم استدعى فاصداً ففصده وأخرج له دماً كثي المقدار وسقاه ماء البزور ولعاباً وسكنجبيناً ونقله من حجرة الحمام إلى الخيش وقال له : إن الوزير سينام بعد الفصد ويعرق وينتبه ويقوم عدة مجالس وقد تفضل الله تعالى بعافيته ثم تقدم بصرف الخدم لينام فقام الوزير إلى مرقده وقد وجد خفاً بعد الفصد فنام مقدار خمس ساعات وانتبه يصيح بالفراشين فقال صاعد للفراش : إذا قام من الصيحة فقل له يعاود النوم حتى لا ينقطع العرق فلما خرج الفراش من عنده قال : وجدت ثيابه كأنما صبغت بماء الزعفران وقد قام مجلساً ونام ثم ما زال الوزير يتردد إلى آخر النهار مجالس عدة ومن بعدها غذاه بمزورة وسقاه ثلاثة أيام ماء الشعير فبرأ برءاً تاماً . وكان الوزير أبداً يقول : طوبى لمن سكن بغداد داراً شاطئة وكان طبيبه أبو منصور وكاتبه أبو علي ابن موصلايا فبلغه الله أمانيه .
قال : ونقلت أيضاً من خط ابن بطلان أن صاعداً الطبيب عالج الأجل المرتضى Bه من لسب عقرب بأن ضمده بكافور فسكن عنه الألم في الحال .
ونقلت من خط أبي سعيد الحسن بن أحمد بن علي في كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الأطباء قال : كان الوزير علي بن بلبل ببغداد وكان له ابن أخت فلحقته سكتة دموية وخفي حاله على جميع الأطباء وكان بنهم صاعد ابن بشر حاضراً فسكت حتى أقر جميع الأطباء بموته ووقع اليأس من حياته وتقدم الوزير بتجهيزه واجتمع الخلق للعزاء والنساء للطم والنواح فلم يبرح صاعد بن بشر من مجلس الوزير فقال له : هل لك من حاجة ؟ قال : نعم يا مولانا إن رسمت لي وأمرت لي ذكرت فقال له : تقدم وقل ما لج في صدرك فقال صاعد : هذه سكتة دموية ولا مضرة في إرسال مبضع واحد وننظر فإن نجح كان المراد وإن تكن الأخرى فلا مضرة فيه ففرح الوزير وتقدم بإبعاد النساء وأحضر ما وجب من التمريخ والنطول والبخور واستعمل ما يجب ثم شد عضد المريض وأقعده في حضن بعض الحاضرين وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حاله فخرج الدم ووقعت البشائر في الدار ولم يزل الدم يخرج حتى تم قدر ثلاثمائة درهم من الدم فانفتحت العين ولم ينطق فشد اليد الأخرى ونشقه ما وجب تنشيقه ثم فصده ثانياً وأخرج مثلها من الدم وأكثر فتكلم ثم أسقي وأطعم ما وجب فبرئ من ذلك وصح جسمه وركب في الرابع إلى الجامع ومنه إلى ديوان الخليفة ودعا له ونثر عليه من الدراهم والدنانير الكثيرة وحصل لصاعد مال عظيم وحشمه الخليفة والوزير وقدمه وزكاه وتقدم على من كان في زمانه . وله من الكتب : مقالة في مرض المراقيا ومداواتها ألفها لبعض إخوانه .
صاعد ابن توما الطبيب