قال له الرشيد أبوه يوماً وهو صبي : ليت جمالك لعبد الله يعني المأمون فقال له : على أن حظه منك لي فعجب من جوابه سريعاً على صباه وضمه إليه وقبله . وقيل إنه تراءى الناس في الهلال في شهر رمضان فلما رأوه قال أبو عيسى : .
دهاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر .
فلو كان يعديني الإمام بقدرة ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر .
فناله بعقب هذا القول صرع فكان يصرع في اليوم مرات ولم يصم شهراً آخر من رمضان وتوفي سنة تسع ومائتين ونزل المأمون في قبره وامتنع من الطعام والشراب أياماً حتى خاف أن يضر به ذلك وكان المأمون يعده للأمر بعده وكان المأمون يقول : إني ليسهل علي أمر الموت وفقد الملك لمحبتي أن يلي أبو عيسى الأمر من بعدي . وكانت لأبي عيسى صناعة في الغناء .
مجد الدين ناظر واسط .
صالح بن الهذيل الملك مجد الدين ناظر واس ؛ توفي سنة ثمانين وستمائة عن نيف وستين سنة وقد ولي أماكن وصودر وعذب وخرم أنفه .
صالح بن وصيف .
صالح بن وصيف التركي ؛ أحد قواد المتوكل قدم معه إلى دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين وكان قد استطال على الخلفاء وقتل المعتز وأخذ أمواله وأموال أمه قبيحة وولى المهتدي الخلافة وحكم عليه ؛ وكان موسى بن بغا بالري فكتبت إليه قبيحة تخبره بما فعل صالح فسار موسى إلى سر من رأى فدخلها واستتر صالح بن وصيف فنادى موسى : من جاء به فله عشرة آلاف دينار فلم يظفر به أحد . ولما كان بعد مدة ظفروا به فتضرع إلى الذي وجده فقال له : لا سبيل إلى إطلاقك ولكني أمر بك على أبواب إخوتك وأصحابك وقوادك وصنائعك فإن أعرض لي منهم اثنان أطلقتك . فمر به على أبواب المدينة فلم يعرض له أحد ؛ وقتلوه وحزوا رأسه وبعثوا به إلى المهتدي فجاؤوه به وهو قائم يصلي فما زاد على أن قال : واروه ! .
ونصب رأسه على قناة ونودي : هذا جزاء من قتل مولاه ونصب بباب العامة ساعة . وقال شاعر لموسى بن بغا : .
ونلت وترك من فرعون حين طغى ... وجئت إذ جئت يا موسى على قدر .
ثلاثة كلهم باغ أخو حسد ... يرميك بالظلم والعدوان عن وتر .
وصيف بالكرخ ممثول به وبغا ... بالجسر محترق بالجمر والشرر .
وصالح بن وصيف بعد منعفر ... في الحير جيفته والروح في سقر .
وقال المهتدي يرثي صالحاً المذكور : .
رحم الله صالحا ... فلقد كان ناصحا .
لم يزل في فعاله ... نافذ الرأي ناصحا .
ثم أضحى وقد ترا ... مى به الدهر طائحا .
المنايا إن لم تغا ... دك جاءت روائحا .
وقال الصولي : عذبوه كما فعلوا بالمعتز وهم أدخلوه للحمام حتى أقر بالأموال ثم خنقوه . وقال أحمد بن الحارث : .
دماء بني العباس غير ضوائع ... ولا سيما عند العبيد الملاطع .
طغى صالح لا قدس الله صالحاً ... على ملك ضخم العلا والدسائع .
طغى وبغى جهلاً ونوكاً وغرة ... وأورد مولاه كريه المشارع .
وكان له ذو العرش طالب وتره ... بموسى وموسى شاكر للصنائع .
يطيف برأس العبد ظهراً وجسمه ... لقى للضباع الناهشات الخوامع .
أبو الطيب الرندي .
صالح بن يزيد بن صالح بن علي بن موسى بن أبي القاسم بن شريف النفزي الرندي - بالراء والنون - أبو الطيب ؛ من أهل رندة من جزيرة الأندلس . أخبرني العلامة أثير الدين قال : المذكور هو أحد الأدباء المجيدين من أهل الأندلس ؛ أنشدنا له : .
من الظباء تروع الأسد بالمقل ... وما رمتها بغير الغنج والكحل .
من كل رود ترد السمر مشرعة ... وما اتقتها بغير الحلي والحلل .
وربما أقدمت والخيل محجمة ... فتطعن الطعنة النجلاء بالنجل .
تلك الشموس التي قد أطلعت قزحاً ... أذيالهن ولا غيم سوى الكلل .
يريك شرخ الصبا منهم رأد ضحى ... وهن من مذهبات العصب في أصل .
وقضب بان على كثب له زهر ... يسقى ولا ظمأ بالأدمع الهمل .
خفت لها وشح جالت على هيف ... فوقرتها من الأرداف بالثقل