وأنشدني لنفسه أيضاً وقد ركب المؤيد فيلاً البسيط : .
الله أولاك يا داود مكرمةً ... ورتبةً ما أتاها قبل سلطان .
ركبت فيلاً فظل الفيل ذا رهج ... مستبشراً وهو بالسلطان فرحان .
لك الإله أذل الوحش أجمعه ... هل أنت داود فيه أم سليمان .
وأنشدني لنفسه يهجو عدن الكامل : .
عدن إذا رمت المقام بربعها ... فلقد أقمت على لهيب الهاوية .
بلد خلا عن فاضل وصدوره ... أعجاز نخل إذ تراها خاوية .
وأنشدني لنفسه ما قاله وقد زار جمال الدين محمد بن نباتة الشاعر بدمشق فرأى في بيته نملاً كثيراً البسيط : .
ما لي أرى منزل المولى الأديب به ... نمل تجمع في أرجائه زمرا .
فقال : لا تعجبن من نمل منزله ... فالنمل من شأنها أن تتبع الشعرا .
وأنشدني لنفسه أيضاً البسيط : .
لا أعرف النوم في حالي جفاً ورضى ... كأن جفني مطبوع من السهد .
فليلة الوصل تمضي كلها سمراً ... وليلة الهجر لا أغفي من الكمد .
وأنشدني لنفسه الرجز : .
لو لم تكن وجرة منشا عفرها ... ما طاب وصف نورها وغفرها .
منازل لولا الصبا ما شاقني ... نور أقاحيها وظل سدرها .
إن المغاني كالغواني لم تزل ... معشوقة تصبي بحسن ذكرها .
علام أهوى منزلاً ما عطرت ... فجاجه سلمى بنشر عطرها .
ولا غدت تسحب ذيل مرطها ... فيه ولا مدت حبال خدرها .
بهنانة قد ملكت لمهجتي ... قلبي وأمسى في أليم أسرها .
مرت على الوادي فمال نحوها ... أراكه يبغي ارتشاف ثغرها .
وراعها منه الحصى فسيرت ... يمينها تكشف عقد نحرها .
غزالة إن سفرت لناظر ... رأيت ليلى في فروع شعرها .
تملي على خلخالها شكاية ... من ردفها مرفوعة عن خصرها .
يا حبذا منها أصيل وصلها ... لو لم ينغصه هجير هجرها .
سارت بها فوارس من وائل ... قد أطلعت كواكباً من سمرها .
وخلفتني في الديار نادياً ... أبكي طلول رسمها وعقرها .
اعملت في طلابها رواحلاً ... بوخدها تفري أديم قفرها .
والليل مثل غادة زنجية ... قد زانها عشاقها بدرها .
وصفحة الأفق كمثل روضةٍ ... تبدو لنا أنوارها من نورها .
وله : الطويل .
لعل رسولاً من سعاد يزور ... فيشفي ولو أن الرسائل زور .
يخبرنا عن غادة الحي هل ثوت ... وهل ضربت بالرقمتين خدور .
وهل سنحت في الروض غزلان عالج ... وهل أثله بالساريات مطير .
ديار لسلمى جادها واكف الحيا ... إذا ذكرت خلت الفؤاد يطير .
كأن غنا الورقاء من فوق دوحها ... قيان وأوراق الغصون ستور .
تمايل فيها الغصن من نشوة الصبا ... كأن عليه بالسلاف تدير .
متى أطلعت فيه الغمائم أنجماً ... تلوح ولكن بالأكف تغور .
إذا اقتطفتها الغانيات رأيتها ... نجوماً جنتها في الصباح بدور .
وفي الكلة الوردية اللون غادة ... أسير لديها القلب حيث تسير .
بعيدة مهوى القرط أما أثيثها ... فضاف وأما خطوها فقصير .
من العطرات العرف ما زان فرقها ... ذرور ولا شاب الثياب بخور .
حمتها كماةٌ من فوارس عامرٍ ... ضراغمة يوم الهياج ذكور .
فما الحب إلا حيث تشتجر القنا ... وللأسد في أرجائهن زئير .
عبد البر .
ابن الحافظ الهمذاني