عبد الجبار بن أحمد القاضي أبو الحسن الهمداني المعتزلي قاضي قضاة الري شيخ الاعتزال توفي سنة أربع عشرة وأربع مائة وقيل سنة خمس عشرة زاد سنة على التسعين . وكان كثير المال والعقار ولي قضاء القضاة بالري وأعمالها بعد امتناع منه وإباء وإلحاح من الصاحب بن عباد . وهو صاحب التصانيف المشهورة في الاعتزال وتفسير القرآن وكان مع ذلك شافعي المذهب . وكان الصاحب قد أنفذ إلى أستاذه أبي عبد الله البصري يسأله إنفاذ رجل يدعو الناس بعمله وعلمه إلى مذهبه فأنفذ إليه أبا إسحاق النصيبي وكان حسن اللفظ والحفظ فلم ينفق على الصاحب لشراسة أخلاقه واحتشم الصاحب أن يجزيه بما يكره فأكل معه يوماً وأكثر من أكل الجبن فقال له الصاحب : لا تكثر من أكل الجبن فإنه يضر الذكاء فقال النصيبي : لا تطبب الناس على مائدتك فساءت هذه الكلمة الصاحب فبعث إليه بخمسة مائة دينار وثياب ورحل وأمره بالانصراف عنه . وكتب إلى أبي عبد الله البصري : أريد أن تبعث لي رجلاً يدعو الناس بعقله أكثر مما يدعوهم بعلمه وعمله فأنفذ إليه عبد الجبار فرأى منه جبل علم وأخلاقاً مهذبة فنفق عليه .
ودرس يوماً القاضي عبد الجبار مسألة في بعض الأيام فقال : تقوم علي هذه المسألة بمائة وثلاثين ألف درهم فسأله التلامذة عن ذلك فقال : كان يلازمني حدث من أهل قزوين لم يكن له رغبة في العلم فعلمت أن ملازمته لي رغبة في جاهي فاتفق أن توجهت عليه مطالبة تتعلق بدار الضرب بقزوين فقرر عليه مائة وثلاثون ألف درهم فقصدني وشكا إيل فما ظهرت له نصيحتي فحضرت مجلس الصاحب فسألني عن هذه المسألة وهي قوله تعالى : " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " هل في النصارى من يقول أن مريم إله ؟ فقلت : هذا على سبيل الإلزام يلزمهم بمقتضى قولهم في عيسى أن يقولوه في مريم .
وسألني عن قوله تعالى : " إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً " كيف قرن بين لفظ فاعل بفعول وأحدهما يراد به المبالغة دون الآخر ؟ فقلت : نعم الله تعالى على عباده كثيرة فكل شكر يأتي في مقابلتها قليل وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم فجاء بلفظ فاعل ليس للمبالغة وجاء كفور على وزن فعول للمبالغة فتهلل وجهه فقلت : هذه ساعة تليق أن أخاطبه في أمر القزويني فلما خاطبته قال : يحكم القاضي فقلت : إن حكمت بشيء يسير نسبني إلى ضعف النفس وصغر الهمة فقلت : تسقط عنه مائة ألف درهم فقال الصاحب : والعلاوة أيضاً . وكان قبل اتصاله بالصاحب على حظه من الفقه وكان له زوجة وولد وابتاع ليلة من الليالي دهناً ليداوي به جرباً كان عليه فلما أظلم الليل تفكر هل يطلي الجرب أو يشعل به السراج ولا تفوته مطالعة الكتب فرجح عنده الإشعال للمطالعة فما بعد أن أرسل الصاحب وراءه وولاه القضاء فملك الأموال . وكان موصوفاً بقلة الرعاية للحقوق فأول ذلك أنه كان يكتب للصاحب على عنوان كتبه : عبده وصنيعه وغرسه عبد الجبار فلما رأى منزلته منه ومعرفته لحقه وإقباله عليه كتب : عبده وصنيعه ثم كتب غرسه فقال الصاحب لجلسائه : إن تطاول مقام القاضي عندنا عنون كتبه إلينا الجبار وترك ما سواه من اسمه . ولما مات الصاحب كان يقول : أنا لا أترحم عليه لأنه لم يظهر توبته فطعن الناس عليه بذلك ومقتوه مع كثرة إحسان الصاحب إليه . وكان عاقبة ذلك أن قبض فخر الدولة عليه بعد موت الصاحب وصادره على ثلاثة آلاف ألف درهم وعزله عن قضاء الري وولى مكانه القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني العلامة صاحب التصانيف التي منها الوساطة ويقال إن عبد الجبار باع في مصادرته ألف طيلسان مصري .
وهو شيخ المعتزلة ورئيس طائفتهم يزعم أن المسلم يخلد في النار على ربع دينار وجمع هذا المال من القضاء والحكم بالظلم والرشا وتولاها عن قوم هم في مذهبه ظلمة بل كفرة .
أبو يعلى الديناري .
عبد الجبار بن أحمد بن الحسين بن محمد بن اليمان الديناري أبو يعلى من أهل البيوت المذكورة وذوي الأنساب . كان والده يزور على خط أبي علي بن مقلة تزويراً لا يكاد يفطن له