لا يشرب الماء إلا من قليب دم ... ولا يبيت له جار على وجل .
فاستعادنيها غير مرة فأعدتها وسال عن قائلها فقلت : أبو سعد المخزومي فقطب وجهه وقال : قائلها غير أهل لها . ومن شعره في عضد الدولة : البسيط .
الله أكبر والإسلام قد سلما ... وعاد شمل العلا والمجد ملتئما .
وظل ملك بني العباس معتلياً ... كما غدا ببغاة الحق مدعما .
بآل بويه أعلى الله رايته ... وشد من عقده ما كان منفصما .
هم قلادة عز أنت واسطة ... فيها وكل بما قد قلته علما .
سامتك أبناء سامان وما بلغوا ... مدى من العز لم يرفع له علما .
وناضلوك عن العلياء فكنت بها ... أولى وأثبت منهم في العلى قدما .
عز الدين ابن سبط ابن الجوزي .
عبد العزيز بن يوسف عز الدين ابن الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي . كان قد درس مكان أبيه بعده بالمدرسة العزية التي فوق الميدان الكبير ودفن عند أبيه بجبل قاسيون لما مات في سلخ شوال سنة ستين وست مائة .
الجزء التاسع عشر .
عبد العظيم .
ابن أبي الإصبغ العدواني .
عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد . الأديب . أبو محمد ابن أبي الإصبع العدواني المصري . الشاعر المشهور . الإمام في الأدب . وشعره رائق . عاش نيفاً وستين سنة . وتوفي بمصر في الثالث والعشرين من شوال سنة أربع وخمسين وستماية . ومن شعره : .
تصدق بوصل إن دمعي سائل ... وزود فؤادي نظرة فهو راحل .
جعلتك بالتمييز نصباً لناظري ... فلم لا رفعت الهجر والهجر فاعل .
ومنه : .
تخيل أن القرن وافاه سائلاً ... فعالجه طلق الأسرة بالبشر .
ونادى فرند السيف دونك نحره ... فأحسن ما تهدى اللآلي إلى النحر .
ومنه : .
ولما اعتنقنا رد دمعي لنحرها ... وديعتها فهي اللآلي التي ترى .
بكت ورنت نحوي فجرد لحظها ... من الجفن سيفاً بالدموع مجوهرا .
ومن قصيدة يمدح فيها الأشرف : .
فضحت الحيا والبحر جوداً فقد بكى ال ... حيا من حياء منك والتطم البحر .
عيون معانيها صحاح وأعين الملا ... ح مراض في لواحظها كسر .
هي السحر فأعجب لامرئ جاء يبتغي ... عواطف من موسى وصنعته السحر .
قال زكي الدين ابن أبي الأصبغ : وقع في هذا البيت ستة عشر ضرباً من البديع اتفقت فيه الاستعارة في عشر : في افتضاح الحيا وبكائه وحيائه والمبالغة ؛ إذ جعلت الممدوح يفضح الحيا والبحر بجوده والتفسير في قولي : جوداً وقولي : من حياء منك . والإغراق لما في جملة القافية من زيادة المبالغة والترشيح بذكر الاستعادة الأولى للاستعارة الثانية والتجنيس بين الحيا والحيا . والتورية في قولي : والتطم البحر والترشيح للتورية بذكر البكاء ؛ فإن ذكره هو الذي رشح التورية وصحة التقسيم في حصر القسمين اللذين يضرب بهما المثل في الجودة ولا ثالث لهما والتصدير في كون البحر مذكوراً في صدر البيت وهو قافيته والتعليل في كون العلة في : بكاء الحيا والتطام البحر فضيحتهما بجوده والتسهيم في كون صدر البيت يقتضي العجز ويدل عليه وحسن النسق في كون جمل البيت عطف بعضها على بعض أصح ترتيب والإرداف لأني عبرت عن نهاية جوده بفضوح الحيا والبحر والتمثيل في كوني عبرت عن عظم الجود ببكاء الحيا من الحيا والتطام البحر ؛ فهذا ما في تفاصيل البيت . وأما ما في جمله فالمساواة لكون لفظه قالباً لمعناه وائتلاف لفظه مع معناه في كون ألفاظ البيت متلائمة مختارة لا يصلح موضع كل لفظة غيرها . ولم يحصل فيه من تعقيد السبك والتقديم والتأخير وسوء الجوار ما يوجب له الاستثقال والإيداع لكون كل لفظة من مفرداته تتضمن نوعاً أو نوعين من البديع . ومن شعر ابن أبي الإصبع : .
من يذم الدنيا بظلم فإني ... بطريق الإنصاف أثني عليها .
وعظتنا بكل شيء لو أنا ... حين جدت بالوعظ من مصطفيها .
وأرتنا الوجهين منها فهمنا ... للهوى بالفتان من وجهيها .
نصحتنا فلم نر النصح نصحاً ... حين أبدت لأهلها ما ليدها