وكان إذا أخذ في علم الصوفية وشح الأحوال أبكى الحاضري . وجرى ذكره في مجلس قاضي القضاة أبي سعيد الطبري ؛ فقال أحد الحاضرين بأنه تلقب بإمام الحرمين فقال القاضي : بل هو إمام خراسان والعراق لفضله وتقدمه في أنواع العلوم . وقال أبو إسحاق الفيروزأبادي ؛ تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان . وحج وجاور بمكة أربع سنين يدرس ويفني ويتعبد ثم عاد إلى نيسابور وتولى المدرسة النظامية وبقي ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع مسلم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس مجلس التذكير يوم الجمعة . وحضر درسه الأكابر وكان يقعد بين يديه كل يوم ثلاث ماية فقيه ودرس أكثر تلامذته وبنى له نظام الملك المدرسة النظامية بنيسابور . يقال إن والده C تعالى كان في أول عمره ينسخ بالأجرة فاجتمع له من كسب يده شيء اشترى به جارية موصوفة بالخير والصلاح ولم يزل يطعهما من كسب يده أيضاً إلى أن حملت بإمام الحرمين وهو مستمر على تربيتها بمكسب الحل فلما وضعته أوصاها أن لا تمكن أحداً من إرضاعه فاتفق أنه دخل يوماً عليها وهي متألمة والصغير يبكي وقد أخذته امرأة من جيرانهم وشاغلته بثديها فرضع منها قليلاً . فلما رآه شق عليه ذلك وأخذه إليه ونكس رأسه ومسح على بطنه وأدخل إصبعه في فيه ولم يزل إلى أن قاء جميع ما شربه وهو يقول : يسهل علي أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه ! .
ويحكى عن إمام الحرمين أنه كان يلحقه فترة في بعض الأحيان في مجلس المناظرة ويقول : هذا من بقالا تلك الرضعة ! .
ومن شعره : .
أصخ لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان .
ذكاء وحرص وافتقار وغربة ... وتلقين أستاذ وطول زمان .
ومما وجدته منسوباً : .
إذا سمته التقبيل صد بوجهه ... وقال أما تخشى وأنت إمام .
أتحسب رشف الريق شيئاً محللا ... فريقي خمر والمدام حرام .
ومما رثي C تعالى : .
قلوب العالمين على المقالي ... وأيام الورى شبه الليالي .
أيثمر غصن أهل العلم يوماً ... وقد مات الإمام أبو المعالي .
وقال القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المدرس بثغر جنزة : .
يا أيها الناعي شمس المشرق ... بأبي المعالي نور دين مشرق .
أنذرتني الدنيا قيام قيامة ... فالشمس صار مغيبها في المشرق .
ابن بدرون المغربي .
عبد الملك بن عبد الله بن بدرون أبو القاسم الحضرمي . من أهل شلب ؛ ويكن أبا الحسين وهو مؤلف كتاب كمامة الزهر وصدفة الدرر في شرح قصيدة أبي محمد عبد المجيد بن عبدون اليابري . وأورد له ابن الأبار في تحفة القادم : .
من معشر سبقوا إلى الندى ... وتقدمت أولاهم وتأخروا .
طابت بطيبهم البلاد كأنما ... أرواحهم فوق الوقائع مجمر .
نشرت عليهم للدروع صحائف ... والبيض تكتب والعجاج ينشر .
منها : .
ومفاضة زعف كأن وليدها ... لبد يجرر معطفيها قسور .
كادت تسيل عليه لولا بأسه ... فغدت على أعطافه تتحير .
وأورد له أيضاً : .
ليهن الأعادي منك أن سروجهم ... وإن أنفوا دون اللحود لحود .
وإن وضعوا سيفاً فكفك ساعد ... وإن رفعوا رأساً فرمحك جيد .
وأورد له أيضاً : .
من كل حامل جدول في كفه ... وأديمه من فوقه محمول .
ومثقف نشوان من خمر الوغى ... قصرت به الأغماد وهو طويل .
كادت تصل كعوبه من لينه ... حتى استقام من اللسان دليل .
قلت : شعر جيد .
أبو سعيد السرخسي الحنفي .
عبد الملك بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد أبو سعد السرخسي الحنفي . ولي قضاء البصرة والده . وسمع أبو سعد هذا ببغداد أبا الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار وأبا الفتح منصور بن الحسين الأصبهاني الكاتب وبنيسابور علي بن محمد بن محمد الطرازي . وبالأهواز علي بن محمد بن نصر الدينوري . وحدث ببغداد عن والده . وولي قضاء البصرة ومضى إليها وحدث بها وبإصبهان .
توفي سنة سبعين وأربع ماية .
ابن جريج