عمرت محل اللهو بعد دثوره ... وألفت شمل الأنس بعد شتاته .
وعاشرت من رهبانه كل ماجن ... تجاوز لي عن صومه وصلاته .
وأهيف فاخرت الرياض بحسنه ... فأذعن صغراً وصفها لصفائه .
جلا الأقحوان الغض نوار ثغره ... ومال بغضن البان عن حركاته .
وأسكرني بالعذب من خمر ريقه ... وأمتعني بالورد من وجناته .
ولما دجا الليل استعاد سنا الضحى ... براح نأت بالليل عن ظلماته .
نصيبية عمرية كاد كرمها ... بجوهرها بنهل قبل نباته .
ونم إلينا دنها بضيائها ... فكان كقلب ضاق عن خطراته .
فأهدى إليها الورد من صبغ خده ... وأيدها بالفتك من لحظاته .
وما زال يسقيني ويشرب والمنى ... تبشرني عنه بصدق عداته .
إلى أن تهادى بين نحري ونحره ... صليب يضوع المسك من نفحاته .
وخوفني منه فخلت صليبه ... لشدة ما يخشاه بعض وشاته .
ومن شعر الببغا : .
سلوا الصبابة عني هل خلوت بمن ... أهوى مع الشوق إلا والعفاف معي .
تأبى الدناءة لي نفس نفائسها ... تسعى لغير الرضى بالري والشبع .
وهمة ما أظن الحظ يدركها ... إلا وقد جاورت في كل ممتنع .
لا صاحبتني نفس إن هممت لمن ... أرقى بها غمرات الموت لم تطع .
على جناب العلى حلي ومرتحلي ... وفي حمى المجد مصطفاي ومرتبعي .
وما نضوت لباس الذل عن أملي ... حتى جعلت دروع اليأس مدرعي .
وكل من لم تؤدبه خلائقه ... فإنه بعظاتي غير منتفع .
ومنه : .
يا سادتي هذه روحي تشيعكم ... إن كان لا الصبر يسليها ولا الجزع .
قد كنت أطمع في روح الحياة لها ... فالآن مذ غبتم لم يبق لي طمع .
لا عذب الله روحي بالبقاء فما ... أظنها بعدكم بالعيش تنتفع .
صاحب المغرب .
عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي . السلطان . أبو محمد القيسي صاحب المغرب . ولي الأمر بعد أبيه يوسف وكان كبير السن عاقلاً لكنه لم يدار الدولة فخلعوه وخنقوه وكانت ولايته تسعة أشهر .
وكانت وفاته سنة إحدى وعشرين وست ماية .
وكان بالأندلس أبو محمد عبد الله ابن الأمير يعقوب بن يوسف الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في مكانه ؛ أعني يعقوب بن يوسف ؛ فامتنع الأمير أبو محمد عبد الله بن يعقوب بمرسية ورأى أنه أحق بالأمر من عبد الواحد وخرج إلى ما في جهته من بلاد الأندلس واستولى عليها بغير كلفة وتلقب بالعادل . ولما خنق عبد الواحد ثارت الفرنج بالأندلس على عبد الله المذكور وتواقعوا . وانهزم أصحابه هزيمة شنيعة وركب هو في البحر يريد مراكش وترك أخاه أبا العلاء إدريس بن يعقوب وقاسى عبد الله شدائد في طريقه من العربان ولما وصلها اضطربت أحواله وقبض أهلها عليه وتفاوضوا في من يقلدونه الأمر فوقع اتفاقهم على أبي زكرياء يحيى بن الناصر محمد بن يعقوب . وسوف يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في مكانه .
الذي كان راهباً .
عبد الواحد الدمشقي الزاهد . قال أبو شامة : أقام راهباً في كنسية مريم سبعين سنة ثم اسلم قبل موته بأيام وأخذه الصوفية إلى خانقاه الشميشاطية وأقام بها أياماً .
ومات في سنة تسع وثلاثين وست ماية . وكانت له جنازة حفلة .
القيرواني .
عبد الواحد القيرواني . أخبرني من لفظه العلامة أثير الدين أبو حيان ؛ قال : كان عندنا بالقاهرة وكان له نظم حسن . ورحل إلى الحجاز واستوطن مكة وصحب ملكها أبا نمي الحسني وله فيه أشعار حسنة أجاد فيها غاية الإجادة ونظم بها نظماً كثيراً . وتعرض في نظمه لأصحاب رسول الله A فقتل بها أشنع قتل .
ومن شعره بالقاهرة مما أنشدنا بعض أصحابنا : .
عليل أسى لا يهتدى لمكانه ... عزيز أسى لا يرتجى من سقامه .
خذوا إن قضى في الحب عمداً بثاره ... أخا البدر يبدو في غمام لثامه